مظلومية وانتصار

الحق التشريعي… خاص فقط بالله سبحانه وتعالى

تقارير | 14 رمضان 1442هـ

استكمل السيد القائد في محاضرته الرمضانية الثانية عشرة حديثه في سياق الحديث عن الشرك بالله عز وجل، وشرح خطورة الشرك بالله في سياق شقيه العقائدي العملي، كما تحدث عن مبدأ التوحيد لله سبحانه وتعالى، مؤكداً من جديد أننا بحاجةٍ مستمرة ودائمة وبدون انقطاع في كل مسيرة حياتنا إلى ترسيخ مبدأ التوحيد بمعانيه وأهدافه العظيمة.

ومن المهم لكل إنسان أن يتحرى خطورة الاتباع المطلق، وأن يعرف جيداً من يتبع، وفي أي حدود، وأن يكون الاتباع منضبط وفق المبادئ الإيمانية، وهنا تناول السيد القائد أن التشريع خاص بالله سبحانه وتعالى ولا يجوز أن نقر بالتشريع لأحدٍ غير الله، ذلك لأنه حق إلهي، وأنه يجب أن تضبط الأمه نفسها وبجديه لاتباع شرائع الله، وهذا ليس تخلفاً، فتعليمات الله هي الحق وهي التي تحقق لنا الانسجام في مختلف جوانب الحياة

مبدأ التوحيد يضبط مسيرة حياة الناس كما يريد الله:

عندما يأمرنا الله سبحانه وتعالى ويوجهنا بأوامر وتوجيهات، أو ينهانا عن أشياء معينة ثم لا نستجيب له، إذ يمكن أن يكون من أسباب ذلك هو الخوف من غيرة، أو لرغبة فيما عند غيره من البشر، فإن هذا يدل على خلل في ايماننا بمبدأ التوحيد لله عز وجل؛ ذلك لأن الله وحده هو من يجب أن نخاف منه، ونرغب إليه، وهذا ما يرسخه مبدأ التوحيد في نفوس المؤمنين، يقول السيد القائد:

“عندما يأمرنا الله “سبحانه وتعالى” بأمر، يوجِّهنا بتوجيه، أو ينهانا عن شيءٍ معين، فنخالف ذلك، بسبب رغبتنا إلى أحدٍ هناك- إلى غير الله “سبحانه وتعالى”- فيما عنده، أو محبةً له… أو بأي دافع، فهذه أيضاً قضية خطيرة علينا، تناقضٌ في إيماننا والتزامنا العملي بمبدأ التوحيد، وهكذا على مستوى التشريع، على مستوى الطاعة في معصية الله تجاه ما أمر، أو تجاه ما نهى، كِلا المسألتين خطيرٌ جداً علينا”.

كيف يجب أن علاقة العبد مع العباد:

من المفيد دائماً التذكير أن المحاضرة الرمضانية الثانية عشر للـسـيد الـقـائد السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي قد تناولت مواضيع في غاية الأهمية فيما بتعلق بترسيخ الوعي الإيماني حول الشرك بالله عز وجل ومبدأ التوحيد، حيث تطرق إلى الحديث عن العلاقات وكيف يجب أن تكون العلاقات فيما بين الناس والعلاقات مع العلماء بحيث لا تتجاوز حدودها وتصل بنا الأمر إلى الشرك بالله والعياذ بالله، وأن علاقة العبد مع العباد، يجب أن يكون لها سقف محدد ومعين، يقول السيد القائد:

“نجد فيما مرَّ بنا من الآيات المباركة: خطورة الشرك في المقام العملي من خلال الاتِّباع الأعمى، والطاعة في معصية الله “سبحانه وتعالى”، والطاعة في المخالفة لمنهج الله “جلَّ شأنه”، من مثل ما ورد في قول الله “سبحانه وتعالى”: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}[البقرة: من الآية165]، فنلاحظ أنَّ علاقة العبد مع العباد، علاقتك مع الناس، يجب أن يكون لها سقف محدد، سقف معين، لا تصل إلى هذا المستوى: إلى مستوى أن تحب أحداً كما ينبغي أن تحب الله، وأن تطيعه في معصية الله، وأن تمنحه ما لا ينبغي أن تقدِّمه إلَّا لله سبحانه وتعالى، تبقى علاقتك مع الناس في كل أصنافهم وفئاتهم ومستوياتهم، تبقى هذه العلاقة تحت سقف علاقة العبد مع العبد، في إطار طاعة الله سبحانه وتعالى، في إطار السير على هدي الله “سبحانه وتعالى”، لا أن تصل وأن تتجاوز هذا الحد وهذا السقف، هذه حالة خطيرة جداً، وعليه وعلى هذا الحال الكثير من الناس الذين انحرفوا عن منهج الله سبحانه وتعالى، وانحرفت بهم مثل هذه الارتباطات: ارتباطات بغير الله “سبحانه وتعالى”، ارتباطات مع أحدٍ من الناس بأي صفة، ثم تصل إلى مستوى الطاعة في المعصية، أو المخالفة لمنهج الله سبحانه وتعالى بناءً على ذلك، أو الخلل فيما يتعلق أيضاً بمسألة التشريع والارتباط التشريعي بهم بعيداً عن شرع الله ومنهج الله سبحانه وتعالى، ولأن المسألة هنا مسألة اتِّباع، وليست في سياق الحديث عن أنهم اعتقدوهم آلهة، بمعنى: أنَّ هذا هو في إطار الشرك العملي، الشرك العملي الذي هو ذنب خطير جداً، وإن كان في حالاتٍ منه لا يُخرِج من الملة، لكن هنا خطورته: أنك تعتبر نفسك مسلماً، وتنتمي للإسلام، وتقرُّ بمبدأ التوحيد، ولكنك في واقعك تعاني من هذا الخلل الخطير، الذي يمثِّل ضربةً قاضية لاتجاهك العملي، لاستقامتك العملية، لسيرك وفق هدي الله “سبحانه وتعالى”، ولأن السياق سياق عملي، قال في نفس الآية المباركة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}[البقرة: 165-166]، ولذلك من المهم لكل مسلم، لكل إنسان، أن يلحظ طريقة اتِّباعه، مسألة اتِّباعه، من يتَّبع؟ وعلى ماذا يتَّبع؟ وعلى أي أساسٍ يتَّبع؟ والحدود في علاقة الاتِّباع كيف تكون؟ وأنه يجب عليك أن تتبع ما أنزل الله، وأن تتبع سبيل من أناب إلى الله، وأن تكون مسألة الاتِّباع منضبطة بهذا الضابط الإيماني: وفق هدي الله، وفق منهج الله “سبحانه وتعالى”، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}[البقرة: الآية166]”.

وبذلك فإن علاقة الناس مع بعضهم البعض يجب أن يكون لها سقف معين لا تصل إلى مستوى أن نحب أحداً كما تحب الله، ولا نطيع أحداً كما نطيع الله علاقتنا ببعض يجب أن تكون علاقة العبد مع العبد في إطار طاعة الله تعالى ووفق منهجه وبالشكل الذي يسير بنا جميعاً إلى درجة أن يكون حبناً وطاعتنا لله فوق كل شيء.

الحق التشريعي هو خاص بالله سبحانه وتعالى:

إن العنوان التشريعي ومسألة الدساتير والقوانين ليست الأمة بحاجةٍ إليها، وأن يكون لأي صفة تشريعية، أو وسلطة تشريعية الحق في التشريع للمسلمين، إذ إن الحق التشريعي هو خاص بالله سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن تقر الأمة به لأي شخص أو سلطة، وهذا حقٌّ إلهيٌ يختص به الله سبحانه وتعالى، يقول السيد القائد:

“في عصرنا هذا في واقع حياتنا- وللأسف الشديد- لا تراعى هذا المسألة في مسألة القوانين والدساتير، تأتي في عملية التقنين، وتحت العنوان التشريعي نفسه، وهي يعني خطيئة كبيرة جداً؛ لأننا لم نكن بحاجة إلى أن نقدِّم صفة تشريعية لأي جهة معينة في واقع أمتنا الإسلامية، لا نحتاج إلى أن نقول: [سلطة تشريعية]، فنمحنها هذه الصفة؛ لأن الحق في التشريع عندنا كمسلمين، كأمةٍ مؤمنة تؤمن بكتاب الله، تؤمن بالله بأنه الإله الحق، الحق التشريعي هو خاصٌ بالله “سبحانه وتعالى”، هو حق الرب، هو حقٌّ إلهيٌ يختص به الله “سبحانه وتعالى”، ولا يجوز أن نقرَّ به لأحد، وأن نقول لأحد: [لك الحق في أن تشرِّع]، هذا الحق ليس لأحد أبداً إلَّا لله “سبحانه وتعالى”؛ لأنه حقٌ يتعلق بالربوبية والألوهية، حق الله الإله الملك الرب “سبحانه وتعالى”.

وصياغة قوانين تكون على ضوء هدى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الأمة لا تحتاج إلى أن تتأثر بالغرب الذين انفصلوا عن الله وعن الالتزام بهدى الله وشرعه، يقول السيد القائد:

ولذلك عندما نأتي إلى واقعنا الحياتي أو السياسي، كان يمكن أن تكون لعملية صياغة قوانين معينة على ضوء هدى الله “سبحانه وتعالى”، وعلى ضوء شرع الله “سبحانه وتعالى”، أن يكون هناك تسميات وعناوين تختلف عن الطريقة الغربية، عما عليه الغرب، لا نحتاج إلى أن نقدم عناوين من مثل عناوينهم؛ لأن عناوينهم هي مبنيةٌ على انحرافهم الكلي والشامل عن منهج الله، وعن دين الله “سبحانه وتعالى”؛ لأنهم فصلوا حياتهم، ومسيرة حياتهم في كل شؤونها العملية، عن مسألة الالتزام بدين الله، وتعليمات الله، وشرع الله، وهدي الله؛ لأنهم في حالة كفر بما أنزل الله “سبحانه وتعالى”.

يجب أن تضبط الأمة مسارها العملي على أساسٍ صحيح:

في واقعنا كمسلمين يجب أن نحرص على أن نبني مسيرة حياتنا على أساس هدى الله سبحانه وتعالى، لاسيما وأن السيد القائد يؤكد أن الالتزام بمنهج الله عز وجل بدون تحرج ليس تخلفاً ولا عيباً ولا نقصاً، ويبين أن التخلف يكمن في الانحراف عن منهج وتعليمات الله وأن تشريعاته هي التي تحقق لنا الاستقامة في حياتنا، ويشدد أنه يجب أن تضبط الأمة مسارها العملي على أساسٍ صحيح، وأن تسعى لسد كل الثغرات، وأن تتجه بجدية في أن تلتزم بمنهج الله سبحانه وتعالى، وبدون أي تحرج، إذ يقول:

في واقعنا كمسلمين يفترض بنا أن نحرص على أن نبني مسيرة حياتنا على أساسٍ من هدي الله، من تعليماته، من شرعه، وعادةً ما يحصل الإقرار بذلك، مثلاً: يأتي عنوان أو بند في الدستور يعتبر الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات، لكن تأتي التسميات، ويأتي إشكاليات أخرى تبعد الناس عن المبدأ الأساسي نفسه، وتفتح المجال، وتفتح الثغرات لدخول خلل كبير من هنا ومن هنا ومن هنا، ولذلك يجب أن تضبط الأمة مسارها العملي على أساسٍ صحيح، وأن تسعى لسد كل الثغرات، وأن تتجه بجدية في أن تلتزم بمنهج الله “سبحانه وتعالى”، وبدون أي تحرج، هذا ليس تخلفاً، هذا ليس نقصاً، هذا ليس عيباً، هذا ليس مشكلةً”.

خطورة الاتباع الأعمى:

إن الاتباع الأعمى الذي لا ينسجم مع ما هدى الله إليه تكون عواقبه وخيمة، ويؤدي إلى الخسارة في الدنيا والآخرة؛ لأن مسألة الاتباع مضبوطة بمنهج الله والاستجابة لله عز وجل، ولذلك فإنه يجب أن تتبع سبيل من يشدك إلى الله، ويربطك بالله سبحانه وتعالى.

وتكمن خطورة الارتباط الأعمى والاكتفاء بالصفات والاسماء مثل علماء وهيئة كبار العلماء دون الالتفات إلى واقعهم العلمي وهم يصدون عن هدى الله وينحرفون عن منهج الله، إذ إنه غالباً ما يأتي التحريف والضلال عن طريق من يسمون أنفسهم علماء دين، أكثر حتى من السلاطين أنفسهم، يقول السيد القائد:

ثم على مستوى الانتماء الديني، نجد أن المشكلة التي كانت مشكلة قديمة في واقع أهل الكتاب، وانحرفت بهم- إلى حدٍ كبير- عن منهج الله “سبحانه وتعالى”، وعن شرعه ونهجه، ودينه وتعليماته، أنهم كما قال عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ}: علماء الدين لديهم، {أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ}: العبَّاد المتدينين لديهم، {أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}، هذا يحصل في أمتنا الإسلامية، ليس فقط في الجو السياسي، وفي الاتجاه السياسي، على مستوى دور سلبي لعلماء السوء، وللعبَّاد المنحرفين؛ لأنه عادةً ما يكون هناك علماء سوء، ممن هم بصفة علماء دين، ولكنهم من المضلين، من المنحرفين، من ذوي الأهواء، من ذوي الاتجاهات المنحرفة، وعندما يرتبط الإنسان بهم ارتباطاً أعمى، ويكتفي منه بصفة عالم دين، يكفيه عنده هذه الصفة، أو هيئة كبار العلماء، مثلما يقولون في السعودية (هيئة كبار العلماء)، أو يكتفي الإنسان بصفته الدينية، بصفة ذلك الشخص الدينية، باعتباره من ذوي الشهرة بالعبادة، والسلوك الديني، والالتزام الديني، ثم يأتي لينحرف بك، ليصدك عن سبيل الله، ينحرف بك عن مواقف أساسية يأمر بها الله سبحانه وتعال” في كتابه الكريم، ونحن نلحظ في زمننا هذا دوراً سلبياً بارزاً لعلماء السوء، في الانحراف بالأمة عن الإتباع للقرآن الكريم، والتمسك بهدي الله سبحانه وتعالى، فنجد البعض منهم يروجون للتطبيع مع إسرائيل، للعلاقة مع إسرائيل، للولاء لأعداء الإسلام، يروجون للولاء لأمريكا، للتحالف مع أمريكا، للتعاون مع أمريكا، وهذا واضح، يقفون مع من يقف في هذا الاتجاه: اتجاه العمالة لأمريكا وإسرائيل، والتحالف المعلن مع أمريكا وإسرائيل بوضوح، يساندونهم، يدعمونهم بالفتاوى يقدمون لهم الفتاوى التي تساندهم، فيقفون جنباً إلى جنب معهم في نفس الاتجاه، في الدفع بالأمة إلى الولاء لأمريكا وإسرائيل، وهذا انحرافٌ خطيرٌ جداً عن منهج الإسلام، عن مبادئه العظيمة، عن قيمه العظيمة، وفي نفس الوقت تدجينٌ للأمة تحت هيمنة أعدائها وسيطرة أعدائها، وفي نفس الوقت مصادرة لحقوق الأمة، وظلم رهيب للأمة؛ لأنه يُمكِّنُ أعدائها منها، منهم أعداء حقيقيون واضحون، ولا لبس في عدائهم لهذه الأمة، ثم يتجهون لتمكين أولئك الأعداء من هذه الأمة، في كل مجالات حياتها، وشؤون حياتها”.

إن أولئك الذين يروجون للـتـطـبيع مع العدو الإسرائيلي ويطلقون الفتاوى بالدفع بالأمة إلى الولاء لأمريكا وإسـرائيل والطاعة والتبعية لهم باسم الدين هم أولئك الذين يظلمون الأمة ويمكنون أعدائها منها في كل شؤون حياتها، إذ يتجه البعض منهم لتجميد هذه الأمة وتثبيطها وصرفها عن اهتماماتها ومسؤولياتها الدينية العملية.