مظلومية وانتصار

الشاهد شهيدا حيا!

مقالات || د. ابتسام المتوكل

عن جبهة الحرية أحدثكم، ومن مترس اليقين آتيكم بخبر حزين، نعم نتحدث عن رجل كلمة ورأي سخرهما لوطنه، وكان -وهو جهة الوعي وجبهته- مدركا كل الإدراك أنه يمضي في طريق لن يرضى عنه العدوان ولا أذنابه، وهل يبالي رجل مثله برضا العدو، بل إن رضا العدو عنه مما يتبرأ منه، ولا تقبله وطنيته.

رجل سلاحه الكلمة، وبندقيته القلم، وجبهته الوعي والبصيرة يواجه عدوا لا يرى قيمة لذوي الكلمة، أليس هو من يقطع أوصال أصحاب القلم بالمنشار، عند عدو كهذا كان الإعلامي الحر الأستاذ عبد الله صبري رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنين مستحقا للقتل، والتقطيع، ولولا أنه في عاصمة اليمن من السقوط في خزي العدوان لطاله منشارهم قبل صواريخهم، ولكانت الموسيقى قد أعدت لتطرب القتلة المتخصصين في تقطيع أوصال الصحفيين؛ فاستبدل العدو الصاروخ بالمنشار، وهدير الطائرة القاتلة بصوت الموسيقى واختار نهار شهر رمضان ليمارس فيه القتل لمن أوجعه قلمه، وفضحته مقالاته وتقاريره، ثم لم يكتف به فأرسل صواريخه لتقصف حيا بأكمله عقابا لساكنته على يمنيتهم، وعلى وجودهم في عاصمة بلدهم.

قبل استهداف العدوان له كان رئيس اتحاد الإعلاميين وفريق عمله قد اطلق تقريره السنوي الرابع عن انتهاكات العدوان بحق الإعلاميين وعنونه باسم الشاهد شهيدا، ولم تمر سوى أسابيع قليلة حتى تحول رئيس اتحاد الإعلاميين وهو الشاهد على جرائم العدوان موثقا لها وكاشفا عن بشاعتها تحول إلى شهيد حي، شهد مرارة الجريمة، وفجيعة وقوع الموت على ولديه، وجيرانه، واقترابه من والديه، وجميع أفراد أسرته بل منه هو شخصيا، ومع كل هذا الفجور والإجرام والبغي لم يفقد الرجل رباطة جأشه، ولم تغلب أوجاعه ابتسامته وثباته، فحافظ على شموخه الذي بدأ مواجهة العدوان به، وسيظل مواجها به للعدو الذي فشل في إتمام الجريمة كما زينها له الشيطان، وفشل في أن يهز نفسية الإعلامي المقاتل بالكلمة، حين استهدفه بالقنبلة، فهدم البيت وقتل الولد، ولكنه لم ينقص من يقينه بصوابية موقفه، بل ما زاده القصف المباشر إلا ثباتا وانتماء لمظلومية الشعب كله.

أفلس العدوان حين استهدف حيا سكنيا شعبيا، وخاب حين توجه للضحايا الأبرياء في نهار شهر رمضان الأكرم، وخسر خسرانا مبينا حين هدم البيوت على الطفل والمرأة والمعاق والصحفي والعامل البسيط والرجل المسن ولم ينج من بطشه وطغيانه: روسيتان وصومالية رمتهما الأقدار في مرمى أحقاد العدو التي لا تدع أحدا إلا صبت عليه نيرانها، ورغبت في قتله، بفائض قنابلها التي حرم العالم استخدامها في المدن وبحق المدنيين، وحللها العدو منذ أول عدوانه حتى اليوم، ولم يتورع عن قذف كل حي وكل حياة بأسلحة تقتل الحياة وترمي إلى قتل الحيوات القادمة حيث سموم هذه الأسلحة وإشعاعاتها تعمل على مدى أجيال ولا يقتصر اثرها على لحظة رميها.

يعرف عبدالله صبري رئيس اتحاد الإعلاميين، وكل إعلامي حر في العالم، وليس في اليمن وحده، أن الرياض عاصمة النشر بالمنشار، وعاصمة القتل، وعاصمة قمع الحريات كلها، وخاصة حرية الصحافة، وإن لم تكن المعركة بين الرياض وبين الصحافة متكافئة، لأن القتل والهدم هما سلاح الرياض والكلمة والقلم هما سلاح الصحفي، والنتيجة دائما خسارة القاتل وعلو صوت الضحية، وخلودها لحظة ظن القاتل أنه أزاحها، فهل كان قتل الحسين إلا محطة عبوره من الفناء إلى الخلود، وهل كان اغتيال جيفارا إلا إيذانا ببقائه رمزا إنسانيا للثورة والنضال ما بقي جور وطغيان؟ بهذا الإدراك تقبل الأستاذ عبدالله صبري ما أقدم عليه العدو، وبروحية المجاهدين من الجيش واللجان الشعبية رفع يده بعلامة النصر أو الشهادة متعاليا على جراح جسده، وأوجاع قلبه المكلوم جراء القصف الذي روع القاطنين في الأحياء المجاورة، فما بالكم بمن عاش أزمنة القصف وشهد أهوالها.

كنا نقدر قيادته في الجبهة الإعلامية، فصرنا نكن له عظيم التقدير والإكبار حين صار شاهدا وشهيدا حيا يدين دمه المراق الجريمة، ويحكي قلمه الشامخ عن براءة كل الضحايا الذين سقطوا حوله.

وعن خبث العدوان ستظل لحظة القصف شاهدة على المجرم والجريمة، التي لن تسقط بالتقادم، وستلاحق القتلة حتى ترديهم، مهما ظنوا أنهم بفعلتهم ناجون!