مظلومية وانتصار

الشهيد القائد.. أسباب التحرك وأنواع الاستهداف

لقد أحدث النصر الذي حققه حزب الله عام 2000م وما مثله من انعكاسات إيجابية على مستوى الساحة العربية وسلبية على ساحة العدو ونفسيته فتحرك العدو لتفادي ذلك الانعكاس من خلال تحرك واسع وشامل بهدف تثبيت سيطرته بشكل كامل وفق مخطط شيطاني يحقق له مجموعة من الأهداف أهمها صنع حاجز نفسي وثقافي تجاه هذا النموذج الناجح وتفريخ القاعدة والتكفريين بهدف ضرب الإسلام وتشويشه ولكي تتصدر الواجهة في تنفيذ المشروع الاستعماري الجديد ونشرها كسلاح قوي لا ترده حدود ولا تحده قيود فاستباح بها كل البلدان ما عدى “إسرائيل ” كما هدف من خلالها توجيه بوصلة العداء نحو أقطار وجماعات معادية لليهود وكذلك خدع بها الكثير من أبناء الأمة.

ولأن “القاعدة” صناعة أمريكية فقد سمح الأمريكيون أن يوازي تحركها تحركهم من حيث الهمجية والوحشية والإجرام وبشاعتهم وسوئهم.

وبالفعل تحرك الإعلام الأمريكي وصنفوا اليمن على أنها البلد الثالث المحتمل احتلاله والسيطرة عليه بعد أفغانستان والعراق نظرا لموقعه الاستراتيجي، وأهمية ما يمتلكه هذا الشعب من مقومات حيوية ونهضوية هامة جدا سواء من حيث الثروات الكثيرة والمتنوعة أو من حيث ما يملكه من مواني وشواطئ بحرية مطلة على البحرين الأحمر والعربي وقد تحرك الأمريكي لتحقيق أمنيته في السيطرة على اليمن من خلال عدة مسارات وعلى أكثر من صعيد أهمها:

السيطرة العسكرية والأمنية

لم يشاء الأمريكيون اجتياح اليمن عسكريا كما فعلوا في العراق وأفغانستان بل فضلوا استخدام الشكل الأخر من أشكال السيطرة العسكرية عبر شراء ولاءات النظام وكبار مسؤولي الدولة وخاصة قادة الجيش اليمني وبالفعل تم شراء تلك الذمم والسيطرة على مقومات الجيش حيث عمد الأمريكي بعدها إلى تغيير ولاءات هذا الجيش وعقيدته القتالية وتصفية ذوي الأهمية من قادته وسلخ هذا الجيش من مبادئه وقيمه الإنسانية وعدته وعتاده الحربي فأحرقوا ما يمتلكه من صواريخ وفجروا الكثير من مخازن الذخيرة وروجوا بعدم جدوائية هذا السلاح وأنه لا ضرورة لامتلاكه حتى أوصلوا المؤسسة العسكرية اليمنية إلى أحط مستويات الضعف والشتات ووزعوها بين أقطاب النظام الحاكم كحماة لتلك الأقطاب فقط وليس للوطن.

وكذلك كان مصير الأجهزة الأمنية التي قضوا على فاعليتها واستبدلوها بجهاز الأمن القومي الخاضع مباشرة لتصرفاتهم وإدارتهم وشغلوا أفراده كجواسيس لصالحهم، وهذه السيطرة المباشرة سهلت عليهم نشر تنظيم القاعدة في ربوع البلاد وفتح معسكرات لها في أرحب بصنعاء وعمران وصعدة والجوف وحجة وحضرموت وغيرها من محافظات الجمهورية اليمنية وبإشرافهم وتمويلهم نمت تلك المعسكرات وتغلغلت في أوساط الشعب اليمني وكان لها من الأضرار الكبيرة ما كان… سواء من حيث التفجيرات والاغتيالات والتصفيات البشعة أومن حيث الانضواء تحت راية العدوان الأمريكي الصهيوني العربي.

السيطرة الفكرية والثقافية

كما عمد السفير الأمريكي للسيطرة على التعليم والخطاب الديني بهدف السيطرة الثقافية والفكرية، واحتلال العقول والقلوب، والسيطرة على التوجهات، وهذا أخطر أشكال الاحتلال، وأسوأ أشكال السيطرة، وكان من خلال السيطرة على التعليم والإعلام حيث غير المناهج المدرسية ورسم الخارطة الإعلامية لكافة الوسائل الإعلامية سواء القنوات والمحطات الإذاعية أو الصحف والمجلات المنشورة أو المهرجانات واللقاءات الثقافية أو غير ذلك من وسائل التثقيف وأساليبه كما حرص على الاشراف المباشر على صياغة الخطاب الديني من خلال إعداد خطب الجمعة ورسم نقاط محدده للعلماء والمرشدين الدينيين وسن قوانين قاسية على من تجاوزها وكلها خالية من العداء لليهود والنصارى ومشحونة بحب أمريكا وإسرائيل والولاء لهم والتسبيح بحمدهم كحماة للبشرية ومنقذين لليمن وأن العدو الحقيق للعرب هو الإسلام والقرآن والنبي محمد وأهل بيته وبالتالي ينبغي التخلي عنهم والانضواء تحت عباءة الثقافة الإباحية الجديدة.

ومثلما سعوا للسيطرة على التعليم والإعلام كذلك سعوا للسيطرة والتحكم في القضاء والقضاة لما له من أهمية ودور كبير في ترسيخ الأمن والاستقرار المفيد واستطاعوا بالفعل التأثير على هذا الجانب فصنعوا قضاة لخدمتهم عانى منهم الشعب اليمني كثيرا ولا زالت بقايا الفساد القضائي وأثاره موجودة كجراثيم خطيرة تنهش جسد هذا الشعب وتفت من قوته واستقامته لكي يبقى هذا الشعب بعيدا عن العدل كمبدأ وعن الحرية كنهج وعن الاستقرار والأمان كأسلوب حياة حتى يسهل لهم إثارة الفتن والقلاقل ونشر المظالم متى شاءوا وأرادوا.

السيطرة على الاقتصاد

سعى الأمريكيون للسيطرة على الاقتصاد والثروة النفطية فنهبوها وأنهكوا الاقتصاد اليمني بالقروض الربوية كما أنهكوا المواطن بالجرعات المتتالية والغلاء المستعر يوما بعد آخر فيما هم وأزلامهم يتقاسمون وينهبون ويستبيحون ثروات البلد وموارده التي هي كفيلة بسد العجز المالي للدولة لو روعي فيها جانب العدالة وحسن الإدارة وهم بهذه السياسة إنما وسعوا دائرة الفقر ورسخوا مفهوم أنَّ هذا بلد فقير لا يملك ما يكفيه من الموارد وأن الحل الوحيد هو الاعتماد على الاستيراد الخارجي في كل شيء مع أن الحقيقة هي عكس ذلك فهذا البلد يملك ما لا تملكه كثير من البلدان والدول في العالم كله من تنوع مناخي وجغرافي بري وبحري ولديه من الثروات الكثيرة والمتنوعة ما ليس لدى غيره من دول المنطقة ويملك موقعا استراتيجيا هاما يؤهله بما يملك من سواحل وموانئ ومضيق عالمي لأن يكون البلد الأهم في المنطقة والأكثر عالمية ونجاحا في عمله التجاري.

استهداف النسيج الأخلاقي والاجتماعي

وسعى الأمريكيون أيضا لنشر الفساد الأخلاقي بهدف ضرب الروح المعنوية والأخلاقية، وتمييع وإفساد الشباب والسيطرة عليهم، فأنشأوا شبكات للدعارة بالآلاف كما روجوا للتبرج، والاختلاط الفوضوي، والعلاقات المحرمة بين الجنسين، وكذلك روجوا للخمور والمخدرات، سيما بين كبار المسؤولين حتى صارت هذه العادة السيئة كموضة لديهم تدل على قوة التأثير والاقتدار.

ومن أبرز أنشطتهم التعسفية استهداف النسيج الاجتماعي الذي بنيته الأساسية هي الأسرة، وتعزيز الانقسامات بكل العناوين والفرز الاجتماعي حسب الفئات العمرية والنوعية وعملوا على إنشاء العديد من المنظمات وسعوا أيضاً لاستقطاب الوجاهات الاجتماعية بكل أشكالها وألوانها ترافق مع ذلك إنشاء ديانات وأقليات بين أوساط المجتمع اليمني المسلم بهدف تسييسه لتضييع سيادة الإسلام، فأتوا بالأحمدية والبهائية والملحدين وغيرهم ودعموا مشروع التكفير والتمييز العنصري الفردي والجماعي وشجعوا التعالي والتباهي المطبوع بطابع الاستحقار للأخر وغير ذلك من الأخلاقيات السيئة والأساليب القذرة التي من شأنها تفريق المجتمع وبعثرته.

كل ذلك التنوع من الاستهداف ترافق معه عمل دؤوب وجاد من قبل السفارة الأمريكية لتوسعة النفوذ الإسرائيلي والتمهيد للتطبيع معه والسعي لتجنيس الصهاينة اليهود بالجنسية اليمنية كما فعلوا في الدول العربية الأخرى من أجل تسهيل نفوذهم ومشاركتهم في صنع القرار في هذا البلد حتى وصلت بهم الوقاحة إلى فرض مرشح يهودي في إحدى الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس النواب وكاد هذا الأمر أن يتم بمباركة السلطة الحاكمة آن ذاك لولا أن لقي معارضة كبرى من الشارع اليمني.

تحرك الشهيد القائد

والخلاصة أنه لو استمر كل هذا النشاط، بدون أي عائق لكانت المسألة خطيرة جدًّا؛ ولكان لليمن شكلٌ آخر ووجهٌ آخر، ولكانت المحصلة لكل هذا النشاط هي الوصول بهذا البلد، إلى الانهيار في كل شيء سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً، وأخلاقياً، والتمزق الشامل، وهذا يسهل للعدو السيطرة الكاملة على الناس.

فكان لزاما على أبناء هذا الشعب التحرك الجاد والحكيم والفعال لمواجهة هذا النوع من السيطرة والاستعمار إذ ليس من الصواب السكوت على هكذا وضع فمعنى ذلك هو الاستسلام، الذي يعني خسارة كل شيء، يعني العبودية للأمريكي والإسرائيلي وتحويل البشر ومقدراتهم وإمكاناتهم في خدمة مصالح الأمريكي والإسرائيلي، وهذه كارثة كبيرة في الدين والدنيا لذلك قرر الشهيد القائد رضوان الله عليه التحرك والمواجهة لهذا المستعمر الأخطر من سابقيه فكان نتاج ذلك التحرك مشروع قرآني عظيم وفق رؤية قرآنية صحيحة وسليمة ومؤثرة تهدف إلى إحياء ثقافة القرآن الكريم التي غيبت من أوساط الأمة فجهلتها وحوربت وشوهت من قبل أعداء الإسلام فاستهجنها الكثير من المسلمين حتى صارت في نظر البعض مجرد عبئ كبير ومصيبة منيت بها الأمة وعامل أساسي وسبب رئيسي في تخلفها وانحطاطها وتبعثرها وضعفها المادي والمعرفي.

خصائص المشروع القرآني ومميزاته

وإذا ما نظرنا في خصائص ومميزات هذا المشروع القرآني الذي أطلقه الشهيد القائد رضوان الله عليه كنتاج الانتماء الإيماني الصحيح والسليم والذي ضحى من أجله، في وقت كان يرى الكثير من الناس أن السكوت والصمت ومجاراة الواقع ومدارات الخصم الأقوى هو الحل الأمثل والصواب الحقيقي فإننا سنلاحظ ولا ريب مجموعة خصائص ومميزات جعلت من المشروع القرآني مشروعا ناجحا وفاعلا على كل المقاييس والمستويات ومن تلك الخصائص والمميزات ما يلي:

1- مشروع أنسجم مع الهوية الإيمانية للشعب اليمني، والأمة بشكلٍ عام، فهو كلمةٌ سواء ومشروع قرآني، انطلق على أساس القرآن الكريم، وبحكم الهوية الإيمانية لهذا الشعب فإن من الطبيعي أن يكون هذا المشروع العظيم مستساغا لدى الكثير من أبناء هذه الأمة الذين ليس لهم مطامع غير مشروعة يتعارض معها، أضف إلى ذلك شمولية هذا المشروع غذ لم يخص مذهباً معيناً، ولا فئةً معينة، ولا محافظةً معينة، بل هو هدىً للعالمين، وكلمة سواء يجتمع عليها المسلمون.

2- مثل صلةً بالله تعالى التمسك به يجعلنا على صلةٍ بالله سبحانه وتعالى، نحظى بتأييده، بمعونته، بنصره، برعايته… بكل ما وعد به نتاج ذلك، كما أن له أهمية معنوية عالية وهو مصدر لطاقة إيمانية هائلة، وهذا من متطلبات مواجهة تحدي بهذا الحجم الأمريكي والإسرائيلي، وبتلك الهجمة الشاملة والاستهداف الشامل.

3- ضرورة للوعي الديني، وللوعي الشامل، في مقابل التضليل لأن هناك تضليل لخدمة أمريكا بالعنوان الديني، مثلما يفعله التكفيريون، وبالعنوان الديني مثلما يفعله المنبطحون المستسلمون لأمريكا المروجون لسيطرتها على الأمة بعناوين دينية، فالوعي الديني من خلال القرآن الكريم ضروري جدًّا للسلامة من تضليل التكفيريين والمنبطحين المستسلمين، وللوعي الشامل؛ لأن فيه تقييم كبير عن الأعداء ومؤامراتهم ومخططاتهم، عن كل عوامل القوة، وعوامل الضعف، عن أسباب النهضة… إلى كل ما نحتاجه في إطار الوعي الشامل.

4- مشروع شامل في عملية التحصين الداخلي على كل المستويات يعني وعي، بصيرة، فهم، تزكية للنفوس، تربية على المستوى الأخلاقي راقية جدًّا، تعبئة قوية جدًّا، والتحصين الداخلي للأمة هو أكبر متطلبات الموقف، أكبر متطلبات هذه المعركة؛ لأنها تتجه إلى الاستهداف الداخلي، القرآن يصنع هذه الحصانة القوية جدًّا، والتحصين الراقي جدًّا، وعلى مستوى الوعي، والأخلاق، والإحساس بالمسؤولية.

5- مشروع تميز بالحكمة مضمونا ومسارا فهو مشروع يعطي الحكمة ويهدي إليها حيث كانت الخطوات العملية في إطار هذا المشروع القرآني حكيمة، جمعت بين التحصين الداخلي، التعبئة المعنوية، وفضح العدو في عناوينه المخادعة، وركَّزت على الجماهير وعلى حشد الطاقات بشكلٍ عام كما أنه مشروع لكل المجتمع، فليس خاصاً بفئة معينة، أو بمذهب معين.

6- مشروع أثبت جدوائيته ونجاحه منذ انطلاقته بالرغم من كل ما واجهه من تحديات، وبالرغم أنه تحرك بالإمكانات المتواضعة والمتوفرة للذين ينطلقون في إطاره، منذ البداية لم يستند لأي دعم من أي جهة فقد نهض على جهود ودعم أبنائه المنتمين إليه فقط، فالشهيد القائد رضوان الله عليه وكذلك خلفه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله عندما تحركوا بهذا المشروع لم يستلموا ولم يعولوا على أي جهة خارجة عن إطار هذا المشروع مطلقا فقد اعتمدوا كليا على الله ثم على ما ينفقه أبناء هذه المسيرة المباركة لهذا بقي هذا المشروع صافيا نقيا وبقيت قيادته حرة في قرارها وحركتها وتوجهها لم ولن تخضع لأي كان سوى لله وحده ودليل ذلك هو صموده وبقاؤه ونماؤه بالرغم من التحديات الرهيبة، والحروب الشديدة، والاستهداف الشامل من الداخل والخارج له، وساهم في إفشال مساعي الأعداء إلى حد كبير في كل تلك المجالات كما أن من دلائل نجاح هذا المشروع الحفاظ على موقع متقدم للشعب اليمني في قضايا الأمة؛ ليبقى مع الشعوب البارزة التي لها اهتمام بقضايا الأمة العامة ومنها أيضا إسهامه اليوم بشكل أساسي في التصدي لمحاولات الأعداء فرض الوصاية الخارجية والسيطرة الأجنبية على البلد، وفي التصدي للعدوان.