مظلومية وانتصار

العرس الأكبر

بقلم عباس السيد

 

 

 

 

 

تستعد هيئة الزكاة لإشهار العرس الجماعي الأكبر لأكثر من تسعة آلاف عريس وعروس ، وهو الأكبر ليس على مستوى اليمن ، بل والعالم أيضا . البعض يجهل عظمة هذا الإنجاز بأبعاده الدينية والتنموية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية ، ويعتبرون تمويل هيئة الزكاة لهذا المشروع ترفا ، وأن هناك مصارف ومشروعات تعد أولى من مشروع الزواج .

والحقيقة أن العرس الجماعي يشكل أحد مظاهر الصمود اليمني في وجه العدوان الذي سعى إلى تدمير المجتمع والأسرة والأفراد ماديا ومعنويا، ويعد الزواج بمثابة تجديد الخلايا في جسم المجتمع، وكلما تكاثرت هذه الخلايا ازدادت قوة المجتمع على المقاومة والنهوض .

ما تقوم به هيئة الزكاة ليس بدعة أو ترفا ، فهو علاوة على كونه استجابة لتوجيهات الخالق الذي استخلف الإنسان في الأرض ، وأودع فيه قدرات تنمية مواردها واستغلالها والانتفاع بها، فإن منافعه لا تقتصر على ما يعود على الزوجين أو عائلتيهما ، لكنه يتجاوز ذلك إلى كونه يساهم في حماية الأمن القومي للدولة والأمة . وهذا ما تنبهت له العديد من الدول في العالم بعد أن سقطت نظرية الاقتصادي الإنجليزي توماس مالتوس التي ادعى فيها : « أن العالم لا بد أن يشهد كل ربع قرن ما يشبه المجاعة نتيجة ميل سكانه للزيادة وفق متوالية هندسية ، بينما يميل الغذاء إلى الزيادة بحسب متوالية عددية»، وأنشأت صناديق خاصة لدعم الراغبين في الزواج ، وأخرى قدمت حوافز مغرية لدعم الأسر والأمهات التي تنجب أكثر .

السلطات في بولندا تحث الشعب على الإنجاب وتخاطبهم « تكاثروا ، كونوا أرانب « وفي إيطاليا رفعت الحكومة شعار « الأطفال مقابل الأرض «، حيث تمنح العائلات التي تنجب أطفالا أكثر قطع أرض مجانية، الصين لم تصل لعظمتها إلا بتعداد شعبها الضخم ، وهو ما أعاق استمرار الاحتلال الياباني لبلدهم ، الاستعمار الهولندي لم يستطع الاستمرار في احتلال أندونيسيا . وحين كانت القوات الأميركية في فيتنام تهدد الصين ، قال مسؤول صيني ساخرا : تفضلوا ، سنقذفكم بالملايين ، وسترون كيف ستلتهم ملايننا مئات ألوفكم ، الصين هي الأخرى تخلت عن سياسة الطفل الواحد ، رغم أن تعدادها تجاوز 1.4 مليارنسمة، الهند أيضا في طريقها إلى العظمة بـ 1.3 مليار نسمة .

وزيرة الأسرة في ألمانيا حذرت من زوال الجنس الألماني بعد 300 عام إذا استمر معدل الإنجاب كما هو عليه الآن .

روسيا الدولة العظمى تواجه مشكلة خطيرة في حربها مع أوكرانيا ، والانتكاسات الأخيرة للجيش الروسي حدثت بسبب نقص عدد الجنود ، وهو ما دفع بوتين وسلطته لإعلان جوائز مغرية تحفز الأمهات على الإنجاب . هذه المشكلة لم تكن موجودة في عهد « الاتحاد السوفيتي « الذي كان تعدد سكانه الكبير سببا رئيسيا في الانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية .

وفي الحرب العربية الإسرائيلية عام 67 ، ما كان بمقدور جيش الاحتلال أن يحتل سيناء في بضعة أيام لو أنها مشغولة بالسكان ، ومع ذلك يرفع إخواننا المصريون شعار « 2 كفاية « بحجة عدم كفاية الموارد ، في حين يتجمع مائة مليون مصري في شريط ضيق لا يتعدى 1 في المائة من مساحة مصر الشاسعة .

نحن هنا في اليمن ، تشكل المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة ، نقاط ضعف وثغرات يتسلل منها الطامعون والغزاة ، ورأينا كيف اجتاحت قوى العدوان مناطق الساحل الغربي ، لكنها اصطدمت بالكتل السكانية كمدينة الحديدة . مارب والجوف أيضا كانتا لقما سائغة لقوى العدوان ، والآن يحومون حول المهرة ، المحافظة ذات المائتي ألف نسمة بمساحة تعادل دولة الإمارات ، وحدها محافظات الهضبة ظلت ولا تزال عقدة كل طامع ومحتل ومقبرة كل غاز.

بالسكان نصمد ، وبهم ندافع ، وبهم نبني وننتج ونتاجر ونبتكر . السكان هم عصب الوحدة السياسية، من وجهة النظر الاقتصادية، ومن وجهة النظر العسكرية .

مقابل نظرية مالتوس ، هناك نظرية أخرى لعالم الاجتماع الأعظم “عبدالرحمن بن خلدون” في مقدمته الشهيرة في القرن الرابع عشر الميلادي . ينظر ابن خلدون للزيادة السكانية كقوة تنموية، حيث أولى أهمية كبرى لعدد السكان في تحقيق التنمية، ويعتبرها من مقوماتها ودلالتها، فالزياة السكانية في نظره تؤدي إلي زيادة درجة العمران وقلتها في بداية الدولة تعيق التنمية وفي نهايتها تضعفها» .

ولكي تكون مشروعات دعم الزواج مثمرة ، يجب أن تواكبها إجراءات وآليات منظمة ، تبدأ بتحري الأشخاص الذين يحتاجون للدعم والزواج ، وتضَافر الجهات المعنية في الدولة في تنفيذ خطط تنموية لخلق فرص عمل وتحقيق استغلال أمثل لموارد البلاد المختلفة . ونحن على ثقة بأن قائد الثورة- الذي عمل حثيثا لتفعيل ركن الزكاة بعد غياب وإهمال ، وسعى منذ العام الثاني للعدوان موجها الجهات المعنية في الحكومة والبرلمان لإقرار قانون الزكاة وتأسيس هيئة خاصة بها- سيعمل بحكمته المعهودة وتوجيهاته السديدة على مضاعفة منافع الزكاة وزيادة ثمارها وخيرها على المجتمع بأسره ، ولن يسمح مطلقا بأن يتحول هذا المورد الهام إلى مجال للعبث والفساد .

تهانينا للقائمين على هيئة الزكاة بهذا الإنجاز الرائع ، تهانينا للعرسان وعائلاتهم ، ونختم بخير الكلام :

وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)النور .

وقال رسولنا الكريم : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.