المحاضرة الرمضانية السادسة عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 20 رمضان 1445هـ 30 مارس 2024م

المحاضرة الرمضانية السادسة عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 20 رمضان 1445هـ 30 مارس 2024م

نص المحاضرة الرمضانية السادسة عشرة لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي السبت 20 رمضان 1445هـ – 30 مارس 2024م:
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
بانقضاء ثلثي الشهر الكريم، تدخل العشر الأواخر المتبقية من شهر رمضان المبارك، وشهر رمضان بكله من أوله إلى آخره شهرٌ مبارك، عظيم البركات، الأعمال فيه مباركة، تأتي فيه الفرصة لاستجابة الدعاء بأكثر من أي زمنٍ آخر، وله آثاره التربوية في تزكية النفس، وترسيخ حالة التقوى لدى الإنسان، وكذلك أثره الكبير في الارتقاء في العلاقة الإيمانية بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتوثيق الروابط والعلاقة مع القرآن الكريم، والاستفادة من هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بأكثر من أي وقتٍ آخر، فهو شهرٌ بكله مبارك، كل ليلةٍ منه، وكل يوم، كل ساعة تعتبر مهمةً جداً ومباركةً، والمسألة تبقى بالنسبة للإنسان في مدى اهتمامه هو، وإقباله، وسعيه للاستفادة من هذه الفرصة العظيمة.
وعندما تأتي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، فلها أهميتها أكثر؛ باعتبار أنها تُلتمس فيها ليلة القدر بأكثر مما سبقها من شهر رمضان المبارك؛ ولذلك من المعروف عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”- فيما روي عنه- أنه كان يهتم أكثر بالعشر الأواخر، فهو يهتم بشهر رمضان من أوله إلى آخره، ولكن عندما تأتي العشر الأواخر يزيد اهتمامه، وإقباله على العبادة، على الدعاء، على الذكر، إقباله فيها بشكلٍ أكبر مما سبقها من شهر رمضان المبارك، ويحث على ذلك، يحث المسلمين، يحث أصحابه، يحث أسرته كذلك، فكان هذا شيئاً بارزاً وواضحاً.
ولذلك من المهم جداً بالنسبة لنا، وعلى أمل أن نكون- بتوفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بفضله، برحمته- قد استفدنا مما قد مضى من شهر رمضان المبارك، من صيامه، من قيامه، من صالح الأعمال فيه، من تلاوة القرآن الكريم، من تأمل هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من الأثر التربوي لهذا الشهر المبارك بما فيه من الأعمال، وبما فيه من البركات، وبما يَمُنُّ الله به “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” علينا من هدايته وتوفيقه، فيكون الإنسان قد تهيأ نفسياً، تربوياً، ذهنياً، عملياً، على مستوى زكاء نفسه، على مستوى شعوره بالقرب من الله أكثر، لأن يستفيد من العشر الأواخر، وبعيداً عن أي حالة ملل.
لأن البعض من الناس ممن اهتماماتهم أخرى، خارج إطار الأولويات والقضايا المهمة، والأمور التي ينبغي أن يركِّزوا عليها، ذهنيتهم منصرفة نحو الأمور التي يتلهون بها، أو ممن يعطي كل اهتمامه بظروف معيشته وحياته، ولا يفكر في أي شيءٍ آخر، هناك من الناس من يغرق كلياً، بكل ذهنه، بكل تفكيره، بكل اهتمامه، بكل نفسيته، في أموره المعيشية؛ فلا يفكر في أي شيءٍ آخر.
وهناك من الناس من يتلهى بالأمور الأخرى، ويستغرق جزءاً من وقته: إمَّا في إطار مقايل القات، والكلام الذي ليس له أي أهمية فيها، بل قد يتحمل الإنسان منه أوزاراً أخرى، في السمرات والسهرات، أو مع رفقاء السوء وأخلاء السوء والعياذ بالله.
أو يكون الإنسان ممن يستهتر بنفسه، وحياته، ووقته، وبهذه الفرص العظيمة؛ فيستغرق أوقاته إمَّا على مواقع التواصل الاجتماعي، أو متابعة القنوات الفضائية في كل وقته، أو وراء الألعاب الإلكترونية، التي أصبحت هي من الآفات والمشاكل في الإدمان عليها من كثيرٍ من الشباب.
فهذه حالات خطرة جداً، وحالات سيئة على الإنسان، وهي من الأسباب التي تجعل الإنسان يملّ ويفتر، ويقل عزمه، ويقل اهتمامه، فيما يتعلق بالأمور المهمة والعظيمة والمباركة، من مثل: إحياء ليالي شهر رمضان المبارك بتلاوة القرآن، بالذكر لله، بالأدعية، بالصلوات، أو إحياء جزءٍ منها لمن عليه ضغوط في ظروف حياته.
فالذي عنده شواغل كبيرة في ظروفه المعيشية، يستطيع أن يخصص جزءاً من وقته؛ لأنه بحاجة، بحاجة حتى لصلاح معيشته، للبركة في رزقه، للخير في حياته، ولمستقبله في الآخرة، أن يخصص جزءاً من وقته للاهتمام بذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الاهتمام بتلاوة القرآن، أو سماع تلاوة القرآن الكريم، للدعاء؛ فلا يستغرق كل وقته، وكل اهتمامه، وكل تفكيره، وكل انشغاله النفسي، وكل توجهه فقط نحو الاهتمام بالأمور المعيشية فحسب، لا يحتاج الإنسان لذلك أصلاً، لا ظروف حياته تطلب ذلك؛ لأنه يمكنه أن يهتم بهذا وذاك، وأن يكون إلى جانب اهتمامه بأمور معيشته، وأعماله، وشواغله المرتبطة بذلك، أن يكون إلى جانب ذلك اهتمام بذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، حتى في بعض الأعمال يمكن للإنسان في أثنائها أن يكون مهتماً بذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتَّذكر لله، وكذلك تخصيص أوقات معينة؛ أمَّا الأشياء العبثية فبالأولى أن يحذرها الإنسان، وألَّا تكون على حساب فرص عظيمة كهذه الفرص.

– نزول بركاتٍ من السماء إلى الأرض، ونزول خيرٍ واسع، فيما ينزل فيها من الخير والبركات.
– من بركاتها: أنها ليلة سلامٍ وأمانٍ من عذاب الله:
لا ينزل فيها العذاب من أولها إلى آخرها، {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر: من الآية5]، كما في (سورة القدر المباركة)، وهذه ميزة لها: أنها ليلة سلام، وليلة أمان، لا ينزل فيها شيءٌ من عذاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
– من بركاتها المهمة جداً لنا هي: تضاعف الأعمال فيها إلى عشرات آلاف الأضعاف:
الأجر فيها على العمل يضاعف، ولكن ليس فقط إلى مستوى معين، مثلاً: الأعمال الصالحة ضاعفها الله من البداية الحسنة بعشرة أمثالها، ثم في مقامات، وظروف، وأعمال، ومناسبات؛ تُضاعف إلى أرقام معينة، مثلاً: في الصلاة، في صلاة الجماعة إلى خمسٍ وعشرين ضعفاً، مثلاً: في شهر رمضان المبارك من أوله تبدأ المضاعف إلى سبعين ضعفاً، لكن في ليلة القدر المضاعفة هي عشرات آلاف، عشرات الآلاف من المضاعفة، يعني: آلاف، وعشرات الآلاف، وعشرات الآلاف، وعشرات الآلاف… وهكذا، مضاعفة بشكلٍ كبيرٍ جداً.
فلذلك هذه المسألة من أهم الأمور.
وباختصار تعتبر ليلة القدر ليلةً يمكن أن يتغيَّر فيها مستقبل الإنسان تماماً، قد يكون مستقبل الإنسان خطيراً؛ نتيجةً لمعاصيه، لاستهتاره، لتفريطه، لتقصيره، قد يكون- والعياذ بالله- إلى النار، ولكن في إقباله إلى الله، في توجهه الصادق، في عزمه على أن يسعى للاستقامة على منهج الله، في إقباله ودعائه وتضرُّعه، قد يكتب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” له في مستقبله الفوز، والنجاة، والفلاح، والعتق من عذاب الله، والعتق من النار.
في الليلة نفسها، في ليلة القدر يمكن أن تكون أيضاً ليلةً مهمةً، يتحقق للإنسان فيها نقلة كبيرة على مستوى واقعه العملي، وفي التَّقَرُّب إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي الارتقاء في علاقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ فهي ليلة مناسبة جداً لتحقيق نقلات في حياة الإنسان:
– نقلات في مستوى العمل، يرتفع رصيد الإنسان فيها، بما يعادل ثمانين عاماً من العمل الصالح، نقلة مهمة هذه، ونقلة كبيرة، فالإنسان بحاجة.
– أيضاً نقلة فيما يكتبه الله له في مستقبل حياته.
– نقلة في واقعه النفسي.
خطيرة على الإنسان أن يزيغ قلبه، وينحرف عن نهج الحق، وعن طريق الحق، وينحرف إلى المعاصي، إلى الفساد، إلى الضلال، حالة خطيرة جداً على الإنسان، وهو دعاء من؟ دعاء الراسخين في العلم، الذين لم يغتروا، ولم يتكلوا على أنفسهم، بالرغم مما هم عليه من العلم الراسخ، والوعي العميق، والمعرفة الصحيحة القوية، فلم يتَّكلوا على أنفسهم، ولم يكتفوا بأنفسهم، ولجأوا إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يطلبون منه أن ينجيهم من الزيغ، من زيغ القلوب، وهو دعاءٌ بالثبات، بالثبات على الحق، وعلى الاستقامة على الحق، فهو من الأدعية المهمة: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}.
“سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ما يزداد به وعياً، ونوراً، وبصيرةً، وفهماً.
– أيضًا الإنفاق في سبيل الله، الصدقة، صلة الرحم:
هي من الأشياء المهمة، الأعمال الصالحة ميدانها واسع، ولا ندخل في التفاصيل.
من المهم أن يكون لدى الإنسان إقبال وتوجه جاد بينه وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في عزمه وتوجهه على الاستقامة على هدي الله، ونهج الله، والطاعة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع الاستعانة بالله، الإنسان بحاجة دائماً إلى أن يكون ملتجئًا إلى الله؛ ليوفِّقه، ليعينه، ليثبِّته، ليسدده، لكن على مستوى القرار، عليه أن يقرر، أن يتجه بجد، هذه مسألة مهمة للإنسان فيما بينه وبين الله، وفيما يكتبه له الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فهذه بعض النقاط المهمة المتعلِّقة بالعشر الأواخر من بدايتها، ولالتماس ليلة القدر فيها.
في مستهل العشر الأواخر، في بدايتها، في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك أيضاً ذكرى استشهاد أمير المؤمنين عليٍّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، حيث ارتقى شهيداً، ولحق بالرفيق الأعلى ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان، سنة أربعين للهجرة، هو استهدف غِيلةً، ضَرَبَه ابن ملجم لعنه الله، أشقى الأولين والآخرين، ضربه بالسيف في مسجد الكوفة، عندما خرج لصلاة الفجر، في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، وارتقى شهيداً في ليلة الحادي والعشرين.
بَعْدِي)).
– ومن مثل قوله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” لعليٍّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((لَا يُحِبُكَ إلَّا مُؤمِن، وَلَا يُبغِضُكَ إِلَّا مُنَافِق))، فنجد أنَّ المنافقين لديهم مشكلة، ما هي مشكلتهم مع أمير المؤمنين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”؟ أنَّه يمثل الامتداد النقي الأصيل للإسلام، وهم يسعون إلى تزييف شكل الإسلام بما يتوافق معهم.
– من مثل قول رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”: ((عَلِيٌّ مَعَ القُرْآنُ، وَالقُرْآنُ مَعَ عَلِيّ)).
– ومن مثل قوله: ((عَلِيٌّ مَعَ الحَقّ، وَالحَقُّ مَعَ عليّ)).
ولهذا ندرك أهمية هذا الدور بالنسبة لنا، إذا عرفنا أنَّ من أخطر ما تسعى له حركة النفاق في داخل الأمة هو التزييف للإسلام: تقديم صورة مزيَّفة عن الإسلام، تتأقلم وتتوافق مع الطغاة، مع المجرمين، مع الظالمين، مع الكافرين أيضاً، وهذه قضية خطيرة، وقضية استمر خطرها في داخل الأمة، اشتغل على هذا النظام الأموي لدهر طويل، اشتغلت عليه أنظمة متعاقبة، ويشتغل عليه الأعداء في هذه المرحلة، في هذا العصر بشكل كبير جداً.
فالأعداء: اللوبي اليهودي الصهيوني في المقدِّمة، يرى أنَّ الإسلام في حقيقته النقية، في حقيقته الأصيلة، الإسلام في أصله كما هو، يشكِّل عائقاً أمام اللوبي اليهودي الصهيوني، عائقاً حقيقياً؛ لأن البرنامج اليهودي الصهيوني هو برنامج فساد، إجرام، رذيلة، منكر، باطل، ضلال… وهكذا، اتِّجاه في طريق الانحراف بالبشرية عن رسالة الله، عن تعليمات الله، والإسلام هو دين الحق، والعدل، والنور، والفضيلة، والقيم، والقسط، والخير؛ فأولئك- بشرهم، وفسادهم، ومنكرهم، وباطلهم، ورذيلتهم، وفحشائهم- يجدون في الإسلام أنَّه متباينٌ معهم، ويحصِّن المجتمع مما يريدونه به، من: الإفساد، والشر، والإضلال… وغير ذلك، فهم يسعون إلى أن يزيحوا هذا العائق.
من وسائل الازاحة لهذا العائق، هو: التزييف، وتقديم صورة ممسوخة، مشوَّهة، محسوبة على الإسلام، وليست هي الإسلام في حقيقته، ونقائه، وصورته الواقعية، وهذه قضية خطيرة؛ ولذلك نرى بكل وضوح، وبأدنى تأمل، أنَّه فيما يتعلق بعصرنا الراهن، هناك عمل للأعداء (للوبي اليهودي الصهيوني، وأتباعه، أتباعه في الغرب، أتباعه من الصهاينة، من صهاينة النصارى وغيرهم) هناك عمل في خطين متوازيين، في مسألة التزييف، وتقديم صورة مشوَّهة مزيفة عن الإسلام:
– خط معيَّن، مبني على حالة التشويه بالتشدد والإفراط، وتقديم صورة متزمِّتة، إجرامية، متوحشة عن الإسلام:
وهذا هو المسار التكفيري، يبرز تحت عنوان التشدد الديني، لكن بطريقة بعيدة عن الالتزام الديني، فيها إساءة، فيها إجرام، فيها وحشية، فيها تشويه للجهاد في سبيل الله، فيها قتل الأبرياء، وفي المقدِّمة: المسلمين، قتل للمسلمين في أسواقهم، في مساجدهم، في مختلف تجمعاتهم، واختيار جرائم معينة، مقيتة، وسلبية، ومشوِّهة جداً؛ فذلك الخط يتَّجه على أنه يمثل التشدد في الإسلام، والالتزام الإسلامي، والجهاد، وهو في نفس الوقت يحقق هدفين للأعداء:
– التشويه من جهة، بالطابع الإجرامي، الوحشي، المتزمِّت، والخالي من أي رسالة إيجابية في الحياة، ومن أي دورٍ حضاريٍ في الحياة؛ إنما صورة متزمِّتة، متوحشة، إجرامية، عدوانية، ليس لها مشروع بنَّاء في هذه الحياة، ولا مشروع حضاري، يقدِّم حضارة الإسلام في هذه الحياة، وهم يشتغلون في هذا الاتِّجاه؛ فيؤدِّي الدور في التشويه.
– وأيضاً القتل لأبناء الأمة، التدمير للأمة، الاستنزاف للأمة في مقدراتها، في رجالها، في ثروتها؛ لأنه يثير الفتن، ويفتح الجبهات على الأمة من الداخل، ويصرّ على ذلك، ولا يقبل بأن يفتح الجبهة ضد العدو الحقيقي للأمة.
فبالرغم مما يحصل الآن في غزة، وما يشاهده كل العالم، وفي المقدِّمة المسلمون، من إجرام رهيب، وعدوان ظالم غاشم، من قِبَل العدو الصهيوني، ضد الشعب الفلسطيني، لا يتحرك التكفيريون، ولا تتحرك لا القاعدة ولا داعش لفتح جبهة مباشرة لقتال العدو الإسرائيلي، مع أنهم يقدِّمون أنفسهم أنهم يمتلكون القدرة على الاختراق لكل الدول، الوصول إلى أوروبا، الوصول إلى روسيا، الوصول إلى أي بلدٍ يريدون، وتفجيرات فيه، وأعمال قتالية فيه… وغير ذلك، ينتشرون في عالمنا الإسلامي في أي بلدٍ يريدون، ينفِّذون جرائمهم في مختلف البلدان العربية، إذا حُدِّدت لهم بوصلة باتجاه قطرٍ عربي، أو بلدٍ عربي هنا أو هناك، اتَّجهوا إليه أفواجاً، بزخم كبير، وضغط كبير، وقتال، وشراسة، واستبسال، ووحشية، وإجرام رهيب، لكن باستثناء العدو الإسرائيلي، لا يريدون أبداً أبداً أن يفتحوا جبهةً عليه، ولا حتى بالتحريض ضده، ولا حتى بالحديث عنه كعدو، يحاولون أن يهمِّشوا هذا الجانب، وكأنه لا يوجد شيء اسمه اليهود الصهاينة، يحتلون أرض فلسطين، يقتلون الشعب الفلسطيني، يرتكبون أبشع الجرائم في الاستهداف للشعب الفلسطيني، كأن ذلك لا يوجد أبداً.
النهاية الحتمية والرحيل من هذه الحياة.
((الأَجلُ مَسَاقُ النَّفسِ، وَالهَرَبُ مِنهُ مُوَافَاتُه، كَم أَطرَتُ الأَيَام أَبحثُهَا عَنْ مَكنُونِ هَذَا الأَمر، فَأبَى اللهُ إِلَّا إِخفَاءَهُ))؛ لأن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” كان قد أخبره أنه سيختم له بالشهادة، وسيقتله أشقى الأمة، شخص محسوب ينتسب إلى هذه الأمة، ولكنه مجرمٌ، شقيٌ، خائبٌ، خاسر، جلب الشقاء على الأمة، فبقية التفاصيل: [أين؟ ومتى؟ في أي لحظة؟]، هذه أمور يقول: كم بحثتُها، وكم بحثتُ عنها، وكم فكرتُ فيها، ولكن تأتي في وقتٍ معين ولم يكن عالماً ببعض التفاصيل التي ستواجهه.
((فَأبَى اللهُ إِلَّا إِخفَاءَهُ، هَيْهَاتَ عِلمٌ مَخزُون، أَمَّا وَصِيَتِي: فَاللهَ لَا تُشرِكُوا بِهِ شِيئاً))، يعني: ابقوا على ملة التوحيد، في التوجه نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في الالتزام بعبادته، والخضوع لنهجه، والالتزام بهديه، اتَّجهوا هذا الاتجاه، ((وَمُحَمَّداً “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ” فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَتَه))، التزموا بالأسوة والاقتداء بالرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، ((أَقِيمُوا هَذِينِ العَمُودِين، وَأَوقِدُوا هَذِينِ المِصبَاحِين، وَخَلَاكُم ذَمٌّ مَا لم تَشرُدُوا))، يعني: إذا اتجهتوا هذا الاتجاه، فهو الاتجاه الذي تؤدُّون ما عليكم، وتسلمون فيه من الذم، واللوم، والعقاب، ((مَا لم تَشرُدُوا)): ما لم تخرجوا عن هذا الطريق.
((حُمِّلَ كُلُ امرِئٍ مِنْكُم مَجهُودَهُ، وَخُفِّفَ عَنِ الجَهَلَة))؛ لأن الله كلفنا ما نستطيع، وما هو في طاقتنا، ((رَبٌّ رَحِيم، وَدِينٌ قَويم، وَإِمَامٌ عَلِيم، أَنَا بِالأَمسِ صَاحِبُكُمْ، وَأَنَا اليُومَ عِبرَةٌ لَكُم، وَغَداً مُفَارِقُكُم، غَفَرَ اللهُ لِي وَلَكُم، إِنْ تَثْبُتِ الوَطأةُ فِي هَذِهِ المَزَلَّة فَذَاك))، يعني: إن أنا شفيت هذه المرة من هذه الجراحة، وبقي لي من أيامي فذاك، ((وَإِنْ تُدْحَضِ القَدَم))، يعني: إن لم أُشفَ من هذه الجراحة، وكُتِبَ لي الرحيل والشهادة، ((فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفيَاءِ أَغصَان، وَمَهَابِ رِيَاح، وَتَحْتَ ظِلِ غَمَام، اضمَحَلَّ فِي الجوِ مُتَلَفِّقُهَا، وَعَفَى فِي الأَرْضِ مَخَطُّهَا))، وهذا تصوير بليغ لظروف هذه الحياة، كيف تمضي بسرعة، وكأننا عبرنا منها عبوراً سريعاً، عشنا فيها هذه الأجواء: سحابها وهو فوقنا، ورياحها وهي تهب علينا، ومتغيرات هذه الحياة التي سرعان ما تعبُر، وتنتهي، وتتلاشى، ونرحل من هذه الحياة.
((فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفيَاءِ أَغصَان، وَمَهَابِ رِيَاح، وَتَحْتَ ظِلِ غَمَام، اضمَحَلَّ فِي الجوِ مُتَلَفِّقُهَا، وَعَفَى فِي الأَرْضِ مَخَطُّهَا، وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاورَكُم بَدَنِي أَيَاماً))؛ لأن نفسه وروحه كانت متَّجهة إلى الله، متصلةً بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ((وَسَتُعقَبُونَ مِنِّي جُثةً خَلَاءً سَاكِنَةً بَعدَ حَرَاك، وَصَامِتَةً بَعدَ نُطق، لِيَعِظُكُم هُدُوِّي، وَخُفُوتُ إِطرَاقِي، وَسكُونُ أَطرَافِي))، يعني: خذوا العبرة مني بعد شهادتي، عندما تشاهدون جثماني، لم يعد فيه حركة، ولا حياة، ولا نطق… ولا شيء، خذوا العظة والعبرة من ذلك.
((فَإِنَّهُ أَوعَظُ لِلمُعتَبِرِين مِنَ المَنطِقِ البَلِيغ، وَالقَوْلِ المَسْمُوع، وَدَاعِي لَكُم))، يودعهم، ((وَدَاعِي لَكُم وَدَاعُ امرِئٍ مُرصِدٍ لِلتَّلَاقِي))؛ لأنه كان مُعداً ومستعداً للقاء الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ((غَداً تَرُونَ أَيَامِي))؛ لأنهم لم يعرفوا قدره، ولا قدر وجوده ودوره العظيم، ((غَداً تَرُونَ أَيَامِي، ويُكشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي، وَتَعرِفُونَنِي بَعدَ خُلُوِّ مَكَانِي، وَقِيَامِ غَيرِي مَقَامِي، وَاللهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ المَوْتِ وَارِدٌ كَرِهتُه، وَلَا طَالِعٌ أَنكَرتُه))، يعني: لم يتفاجأ، ليس قلقاً من مسألة رحيله من هذه الحياة بعد أن حظي بالشهادة، وهو في ذلك الإعداد للعمل الصالح، والأعمال العظيمة، والرصيد العظيم، الذي قد أعدَّه ليلقى الله به، ((وَإِنَّمَا كُنْتُ كَقَارِبٍ وَرَد))، كالذي كان يطلب الماء في الليل، ووصل إليه، ((وَإِنَّمَا كُنْتُ كَقَارِبٍ وَرَد، وَطَالِبٍ وَجَد، وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ)).
نكتفي بهذا المقدار…
وَنَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

https://www.masirahtv.net/post/250306/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B6%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3%D8%A9-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83-%D8%A8%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A-20-%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86-1445%D9%87%D9-30-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3-2024%D9%85