مظلومية وانتصار

بضعة النور

د/فاطمه بخيت

جعل في الأرض خليفة وبيّن له سبل الهداية إلى الحق القويم والصراط المستقيم، وأرسل الرسل بالرسالات السماوية، كذلك أعلام الهدى، في كل زمان ومكان، ليكونوا أسوة وقدوة للبشرية لهدايتهم إلى ذلك الطريق، والحيلولة دون الانحراف والضلال، فمن سلك الطريق اهتدى ونجا، ومن انحرف ضل وهوى.

فقد كرم الله هذا الإنسان بالارتقاء في سلم الكمال الإنساني والإيماني والأخلاقي، وكما كان للذكر نصيب كبير من ذلك التكريم؛ كذلك كان للأنثى، منذ خلق أبونا آدم الذي خلق منه زوجه، وفي كل مراحل إرسال الرسالات والرسل، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها. حيث ارتقت المرأة في سلم ذلك الكمال حتى بلغت درجة ومنزلة عالية ورفيعة أهلتها لأن تكون سيدة نساء أهل الجنة، كتكريم الحق جل وعلا لآسيا بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد سلام الله عليهن جميعاً.

 

ولم تنل أولئك النسوة ذلك التكريم وتلك الدرجة العالية إلا عن جدارة تجلت في إيمان، تقوى، عفاف، ورع، صبر، جهاد، تضحيات وكل مكارم الأخلاق ومحامد الصفات التي تعجز الأقلام عن وصفها والحديث عنها.

 

وما أحوج نساء الأمة اليوم –وهن يواجهن الهجمة الشرسة ضد المرأة المسلمة ودينها وقيمها ومبادئها- للاقتداء بسيدات نساء أهل الجنة ومنهن فاطمة الزهراء سلام الله عليها، التي نعيش هذه الأيام ذكرى ميلادها، حتى يمثل ذلك الاقتداء والسير على خطاها حصانة ومناعة ضد المشاريع الشيطانية التي تسعى للنيل من المرأة المسلمة ومن دينها وعفتها وطهارتها.

 

فلو اقتدت المرأة المسلمة بفاطمة الزهراء لما وصل بها الحال إلى ما وصلت إليه من التفسخ والانحلال، والتبعية العمياء لأعداء الدين والإنسانية الذين يعملون ليلاً ونهاراً لفصلها عن القدوات الحسنة، وخلق نماذج سيئة وساقطة تحت مسمى التطور والتحضر، لجرها نحو الجهل والضلال؛ ليسهل عليهم ضرب الدين والقيم والمبادئ، لأنّهم يدركون جيداً أنّ المرأة هي نواة المجتمع، ولو ضُربت النواة، ضُرب المجتمع بأسره، وسهل عليهم السيطرة عليه واحتلاله.

 

لقد كان للمرأة دور كبير وفاعل في إرساء دعائم هذا الدين كما كان للرجل، ومنذ فجر الدعوة الأول، حيث سطرت أروع المواقف وأعظم التضحيات، ومن ذلك ما قدمته خديجة بنت خويلد سلام الله عليها في سبيل نصرة هذا الدين، حتى جاء في الأثر: “لولا سيف علي ومال خديجة لما قامت للإسلام قائمة”.

 

دور تكاملي جسده الرجل مع المرأة عبر مراحل التاريخ، فهما كيان واحد يسعى أعداء الدين لتشتيته وتمزيقه وزرع الصراع فيه، وقد صدقنا ادعاءاتهم عندما ابتعدنا عن ديننا وتاريخنا وماضينا، ونسينا ما بذله الآباء والأجداد في سبيل نصرة هذا الدين رجالاً ونساءً.

 

وكما كان لخديجة بنت خويلد دور عظيم في نصرة هذا الدين أهلها لأن تكون سيدة نساء أهل الجنة؛ كذلك كان لابنتها فاطمة الزهراء دور عظيم، تلك المرأة العظيمة التي نالت ذلك اللقب وهي لازالت في مقتبل العمر وريعان الشباب، السن الذي يعيش فيه أغلب شابات المسلمين مرحلة التيه والطيش والانحراف، بحجة أنّهن في سن المراهقة والشباب، بينما هو سن النضج والاكتمال، وذلك لغياب القدوة والمربي والمعلم.

 

وقد نالت الصديقة الزهراء _سلام الله عليها_ تلك المنزلة الرفيعة ليس كونها تربية المصطفى وخريجة مدرسته الأولى فحسب، بل لما تجلى فيها أيضاً من القابلية العالية لما منحها الله من مؤهلات عقلية وروحية ووجدانية هيأتها لأن تكون النموذج الأمثل للمؤمنة التقية الصادقة، كما أن الأثر الكبير الذي تركته تلك التربية وذلك التعليم في حياتها والثمرة الطيبة التي أثمرتها من ذلك الأب العظيم الذي كان يجل ابنته ويحبها حباً جماً لما كانت عليه من إيمان وتقوى وما قدمته من التضحيات والمواساة له لما لقيه من متاعب ومعاناة في سبيل نصرة هذا الدين وإعلاء رايته، حتى لُقبت “بأم أبيها”.

 

وقد بلغت مقاماً متميزاً جعلها أهلاً لأن تكون سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء المؤمنين، وسيدة نساء أهل الجنة، ذلك المقام الذي لم يجعلها تأنف من القيام بمسؤوليتها تجاه دينها ومجتمعها وأسرتها؛ بل دفعها بأن سطرت أروع المواقف في شتى مجالات حياتها، تلك المواقف التي غُيبت عن كتبنا ومناهجنا الدراسية، مع أنّها لم تكن لامرأة قبلها، ولن تكون لامرأة بعدها؛ وذلك لفصل المسلمات عن تلك المرأة العظيمة التي قال عنها من لا ينطق عن الهوى: “فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني”. ومن أغضبه صلى الله عليه وآله وسلم فقد أغضب الحق جل وعلا.

 

ومن نعم الله على هذا الشعب أنّه أكثر الشعوب تمسكاً بنهج أهل بيت الرسالة ومعدن النبوة عليهم السلام، وما هذه التضحيات التي تقدمها المرأة اليمنية طيلة أعوام العدوان إلا ثمرة من ثمار المحبة والتولي لهم، والتأسي بفاطمة الزهراء وسيدات نساء أهل الجنة عليهن السلام.

 

فما أسوأه من حال، وما أفدحه من مآل، إذا لم نقتد بالآل، الذين طهرهم رب العزة والجلال، ومنهم زهراء آل محمد عليها الصلاة والسلام.