مظلومية وانتصار

شهر رمضان المبارك .. محطة لتعزيز علاقتنا بالقرآن الكريم

شهر رمضان بكله موسم خير وبركة، وفيه هذه الليلة، التي لها هذه الأهمية وهذه العظمة، ولندرك أيضاً أهمية القرآن الكريم، أهمية القرآن الكريم، الله “سبحانه وتعالى” عندما قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، يبين لنا أهمية هذا الشهر من جانب، وأهمية القرآن الكريم من جانبٍ آخر، والتلازم فيما بينهما، التلازم فيما بين هذا الشهر في محطته ودوره التربوي، دوره التربوي، وأثره الروحي، وفي العلاقة مع القرآن الكريم، الإنسان بالفعل يكون مهيأً في شهر رمضان المبارك- بأكثر من غيره- للاستفادة من القرآن الكريم، مع أنَّ علاقتنا بالقرآن الكريم، علاقتنا بالتقوى، علاقتنا بالدين الإلهي، هي علاقة حياة، علاقة حياة، لا تختص بشهرٍ، ولا بزمنٍ، ولا بمحطةٍ معينة، لكن هذا البرنامج الإلهي، هذه التدبيرات من الله “سبحانه وتعالى”، وهذه الفرائض، وهذه المواسم التي تأتينا، موسماً له بركة معينة، له أثر معين، هي محطات ذات أهمية كبيرة، نتزود منها أكثر فأكثر، فيمكننا في شهر رمضان المبارك أن نعزز من صلتنا بالقرآن، والتي يجب أن تكون صلةً دائمة، لكن أن نعزز منها أكثر، أن نقوِّي هذا الارتباط بالقرآن الكريم ككتاب هداية، هنا الفجوة، هنا الفجوة، الغائب إلى حدٍ كبير في واقع المسلمين هو العلاقة القوية بالقرآن الكريم ككتاب هداية، يعودون إليه للاهتداء به في كل شؤون حياتهم، في مسيرة حياتهم، في مواقفهم، يعطونه أولويةً مطلقةً، وهيمنةً ثقافيةً على ما سواه؛ لأن الله جعله مهيمناً حتى على كل كتبه السابقة، فيرجعون إليه، ويجعلون له هيمنته الثقافية على كل ما بين أيديهم، من أفكار، من ثقافات، من مفاهيم، يعملون على إعادة تصويبها ومعايرتها، وفقاً للقرآن الكريم، وبما يتفق مع القرآن الكريم؛ لأنه نورالله، هديه لعباده، من خلاله يرشدنا الله “سبحانه وتعالى” ويعلِّمنا ما نفرق به بين الحق والباطل، بين الخطأ والصواب، ما يُبنى عليه الفرقان في حياتنا.

القرآن كتاب هداية لا يمكن لأيٍّ كان الاستغناء عنه

{هُدًى لِلنَّاسِ} لكل الناس، الكل بحاجة إلى الاهتداء بالقرآن الكريم، لا يمكن لأحدٍ أن يستغني عنه، يقول: [أنا أكاديمي، أنا بروفيسور، أنا دكتور، أنا فيلسوف، أنا عالم، أنا معلم في الجامعة، أو أنا سياسي، أو أنا قانوني، أو أنا كذا… كل صفة، كل مرتبة، كل اعتبار، كل مجال، لا يمكن من خلاله أن تستغني عن القرآن ككتاب هداية، لكي تهتدي إلى الحق، إلى الرشاد، إلى الصواب، إلى الحكمة، إلى ما فيه الخير، إلى ما فيه القسط والعدل، إلى ما هو الموقف الصحيح، تحتاج إلى القرآن.

(ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله)، حتى لو أردت الهدى، لكن تركت القرآن هناك، وجعلت دوره دوراً ثانوياً، هامشياً، أو اتخذته ظِهرياً، واتجهت إلى الأشياء الأخرى لتعتمد عليها، لتستنتج من خلالها الرؤى والأفكار والأطروحات باسم الدين، أو بغير اسم الدين، ستضل، ستضل، طالما أعرضت عن القرآن ستضل، طالما لم تجعل للقرآن الأولوية، وتجعل منه الأساس، الأساس الذي تصوب من خلاله كل الأفكار، كل الآراء، كل التوجهات، فأنت ستضل حتماً، حتى لو كنت تريد الهدى، الذي قال: (ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله)، هو النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.

الأمة اليوم بحاجة إلى العودة إلى القرآن الكريم ككتاب هداية، لتهتدي به، وتعود من واقع حياتها، وفي كل شؤونها، تجاه المواقف، عندما نحدد المواقف، يجب أن نعود إلى القرآن الكريم، ونبني مواقفنا على ما يهدينا إليه، عندما نتجه في مسيرة حياتنا في أي مجال من المجالات، لنعود إلى القرآن الكريم؛ لتكون ثقافتنا قرآنية، آراؤنا قرآنية، لنبني كل توجهاتنا على أساسه، كل أفكارنا على هديه، وبنوره، هذا هو المقصود من أن ننظر إليه ككتاب هداية، من واقع حياتنا، والقرآن الكريم هديه عظيم، والله “سبحانه وتعالى” يتدخل، المسألة ليست تعاملاً مع القرآن منفصلاً عن الله، ليست هكذا، المسألة هي التجاء إلى الله “سبحانه وتعالى”، المسألة هي أيضاً الاستفادة من سنته في هداية عباده “سبحانه وتعالى”، والمسألة هي أيضاً فيها التجاء إلى الله “سبحانه وتعالى”، الله علمنا أن نقول في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة: الآية6]، (اهْدِنَا) نلتجئ إلى الله “سبحانه وتعالى”، نطلب منه الهداية، ثم يأتي هو ليتدخل، {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة: من الآية16]، الله يهدي، يهدي بكتابه، ليست هدايته بكتابه فقط أنه قد أنزله واكتفى بذلك، لا، له سنته في هداية عباده من جهة، ويتدخل في ذلك “سبحانه وتعالى”، فنحن بحاجة إلى الله “سبحانه وتعالى”.

ولذلك من المهم جدًّا في شهر رمضان، الإقبال بشكلٍ كبير على القرآن الكريم؛ للاهتداء به، ونحن في مراحل فيها فتن كقطع الليل المظلم، فيها حملات تضليلية رهيبة جدًّا، سواءً ما يأتي من خارج الأمة، ما يأتي من الأعداء الكافرين، أو من داخل الأمة، من كل فئات الضلال، من كل المنحرفين عن القرآن، من كل من لهم اتجاهات تتباين مع منهج القرآن الكريم، بحاجة ماسة إلى أن نتحصن بالهدى، تجاه كل الضلالات وكل الظلمات، بحاجة ماسة، والقرآن الكريم ينير لنا الدروب.

القرآن يرسم المسارات للتفريق بين الحق من الباطل

من عظمة القرآن الكريم أنه يرسم ويحدد التوجهات، والمواصفات العامة، وبطريقة تهيئ حتى للإنسان العامي أن يفرق بين التوجه الصحيح والتوجه الخاطئ، بين الموقف الحق والموقف الباطل.

لاحظوا، على سبيل المثال في سورة المائدة، صفحة كاملة في سورة المائدة، تحدث فيها القرآن الكريم حديثاً عجيباً، عندما تقرأ هذه الصفحة، وكأنها نزلت في هذا الزمن، مع أنها نزلت على نبي الله محمد “صلوات الله عليه وعلى آله” في ذلك الزمن، ولكن هكذا هو القرآن، عطاؤه مستمر، لا ينضب معينه أبداً، (بحرٌ لا يدرك قعره)، كما قال الإمام عليٌ “عليه السلام”، في هذه الصفحة حذر الله من التولي لليهود والنصارى، وحذر من؟ حذر المؤمنين، الذين آمنوا، حذر الذين ينتسبون لهذا الإسلام، وأنهم قد يقعون في هذه المصيبة

الكبيرة، في هذا الانحراف الخطير جدًّا، وأتى بمواصفات للمنحرفين، وعناوين تعبر عنهم، ثم أتى ليحدد المسار الصحيح عندما تقع الأمة في مشكلةٍ كهذه، قال “جلَّ شأنه”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: الآية54]،.

في هذه الآية المباركة عندما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}، هي في نفس السياق الذي تحدث فيه عن الولاء لليهود والنصارى؛ لأن حالة الولاء لليهود والنصارى هي على حساب الدين، على حساب مبادئ ذات أهمية كبيرة من الدين، على حساب مواقف ذات أهمية كبيرة في الدين، على حساب توجهات ذات أهمية كبيرة في الدين، شرائع، فرائض، التزامات دينية، والسياق هنا ليس بالضرورة يتحدث عن الارتداد عن الملة، والخروج من الإسلام كلياً، هي الحالة التي يتجه فيها من يتورطون في ذلك، من يتجهون- في مقابل ألَّا يكون لهم مشكلة أمام خطر اليهود والنصارى- يتجهون إلى المقايضة بالدين، يتركون أشياء، يسكتون عن أشياء، يجمدون أشياء، يشطبون أشياء، وهذا في سياق ماذا؟ في سياق الاسترضاء، لئلا يحسب لهم موقف مناوئ للخطر الذي يأتي من جانب اليهود والنصارى، يعني: يحاولون أن يوصلوا رسالة أن لهم توجهاً آخر، وأن اتجاههم اتجاه مختلف، ليسوا ممن يتبنون موقفاً آخر، والارتداد عن الدين هنا، هو ارتداد عن مبادئ من الدين، عن قيم من الدين، عن مسؤوليات في هذا الدين، عن التزامات عملية في هذا الدين، وهي تأتي في هذا السياق؛ لاسترضاء أعداء الأمة، أعداء الإسلام والمسلمين.

ولذلك كيف قابل حالة الارتداد؟ لو كان السياق في سياق الحديث عن الخروج من الملة، مع أن البعض يصلون إلى الخروج من الملة، لكن هذا السياق واضح ماذا يقصد، أتى ليقابل ما بين حالة الارتداد وما بين اتجاهٍ رسمه وحدده، هو الاتجاه الذي يقي من الارتداد، قال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}، {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}.

لاحظوا، عندما يقول: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ}، ثم يأتي لهم بهذه المواصفات، لو كانت المسألة فقط في إطار الحديث عن الخروج من الملة، وارتداد من يرتدون عن ملة الإسلام كلياً، لقال “جلَّ شأنه”: [من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يسلمون]، واحتلت المسألة، ليقابل حالة الخروج من الملة بناس مسلمين، يسلمون، لكنه أتى بمواصفات؛ ليحدد منهجاً ثابتاً، وطريقاً واضحاً بيناً، وبمواصفات واضحة، يمكن للكل أن يتبين له الناس، وأن يقيم من خلالها.

نحن في هذا الزمن تعاني أمتنا من الوقوع في حالة الولاء لأعدائها من اليهود والنصارى، مشكلة حقيقية، مشكلة كبيرة في هذا العصر، في هذا الزمن، بشكل واضح، وأوضح من أي زمنٍ مضى، يستطيع حتى العامي أن ينظر في الساحة من الذين يتجهون هذا الاتجاه، اتجاه: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، سيجد البعض ممن أصواتهم مرتفعة، ممن مواقفهم مشدودة وقوية وقاسية، فقط تجاه المؤمنين؛ أما تجاه الكافرين لا صوت لهم، لا موقف لهم، لا تحرك لهم، بل يعتبرون ذلك ليس ضرورياً نهائياً، يشطبون ذلك من اهتماماتهم: التثقيفية، والتعليمية، والخطابية، وال… كل أنشطتهم، يشطبون منها موضوع العزة على الكافرين، لا تتجسد عزتهم على الكافرين، لا في مواقف، لا في عبارات، لا في تحرك عملي جاد، ولا في أي شيء، وفقط تتجه مواقفهم السلبية، السيئة، القاسية، إساءاتهم، نبرات أصواتهم المرتفعة، على المؤمنين، على الساحة الداخلية، على من يتحرك- بالتحديد- ليتجه هذا الاتجاه القرآني، وضمن هذا الموقف القرآني، وفي هذا الطريق الذي رسمه القرآن الكريم.

هنا تتحدد المعالم الواضحة في القرآن، عندما يقول: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}، وهذا الزمن من أكثر ما فيه اللوم، بمجرد أن تتجه هذا الاتجاه القرآني، كم سيتوجه إليك من اللوم، من مختلف اللائمين:

من يلومك ويقدم نفسه متديناً، قد يلومك من على منبر المسجد، قد يلومك بمحاضرات تحت عناوين دينية، بكلمات ذات عناوين دينية، بنشاط تعليمي وتثقيفي باسم الدين، وهو يلومك، يلومك، ومشكلتك معه هي هذه: أنك تتجه هذا الاتجاه، لو لم تتجه هذا الاتجاه، لربما سكت عنك، وما كان له مشكلة معك، هو لا يلوم الساكتين، لا يلوم القاعدين، لا يلوم المتخاذلين، لا يلوم

الموالين لليهود والنصارى، لأمريكا وإسرائيل، لا يلوم أي أحد له موقف متخاذل، متنصل عن المسؤولية، يلوم من يتجه هذا الاتجاه.

البعض قد يلومك في الإطار السياسي، والعناوين السياسية، والعناوين المختلفة.

أساليب كثيرة للوم، عناوين كثيرة للوم، جهات كثيرة للوم، أصوات كثيرة للوم، عناوين وخلفيات متنوعة للوم، إذاً من يتجهون هذا الاتجاه القرآني، يجب أن يكونوا على هذا المستوى: {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}.

هنا تجد عندما يقول الله عن القرآن: {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية185]، أنه نور، يستطيع الإنسان أن يفرق- على مستوى التوجهات، على مستوى المواقف، على مستوى الأعمال- بين الاتجاه الصحيح المنسجم مع القرآن، والاتجاه الآخر المنحرف عن القرآن.

لذلك يجب أن نركز في شهر رمضان على الإقبال بشكلٍ كبير على القرآن الكريم، وأن يكون هناك نشاط واسع في الساحة، كل الذين يمتلكون القدرة التعليمية والتثقيفية، من مثقفين، من علماء، من خطباء، يجب أن يكثفوا جهودهم في هذا الشهر المبارك، وعلى أساس القرآن الكريم، وربط الأمة بالقرآن الكريم، والسعي لهداية الأمة بالقرآن الكريم، وأن يتناولوا واقع حياة هذه الأمة، ما تواجهه من تحديات وأخطار ومشاكل، فينيروا لها الدرب من خلال القرآن الكريم.

دور الصيام في اكتساب العزيمة وقوة الإرادة

هذه ليلة القدر (فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، وهو شهر رمضان)، نعود طبعاً إلى الحديث النبوي، (وهو شهر رمضان، فرض الله “عزَّ وجلَّ” صيامه)؛ لأن الله جعل صيام شهر رمضان فرضاً لازماً، هذه من حكمة الله “سبحانه وتعالى”، لو لم يكن فرضاً- مهما كان مستوى الترغيب فيه- لربما الكثير من الناس لا يصومون، لو لم يكن فرضاً، لكنه عندما كان فرضاً إلزامياً، كان لا بدَّ من صيامه.

وصيامه مفيدٌ لنا، ليست المسألة أن الله “سبحانه وتعالى” يريد أن نعاني من الجوع والعطش، وأن نعاني من الظمأ، أن نتعب، أن يكلفنا المشاق، لا، الله “سبحانه وتعالى” أراد أن يقدم لنا وسيلةً تربويةً نروض بها أنفسنا على الصبر والتحمل، واكتساب العزم، واكتساب قوة الإرادة، هذا واحدٌ من فوائد هذا الشهر المبارك: في صيامه نتعود على الصبر، عندما نمتنع عن الطعام والشراب، عندما نمتنع عن الشهوات والرغبات، نكتسب في هذا قوة الإرادة، نكتسب من هذا التحمل والصبر، نتروض على الصبر، محطة تربوية، وسيلة تربوية تساعدنا على اكتساب العزم، والتجلد، والقوة، وهذا يساعدنا على الاستقامة على منهج الله “سبحانه وتعالى”، ويساعدنا على التنفيذ لتوجيهات الله وأوامره “جلَّ شأنه”.

ولذلك ارتبطت غاية التقوى كغاية عملية في شهر رمضان، عندما قال الله “جلَّ شأنه”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: الآية183]، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ لأنك تكسب وتكتسب هذا الترويض للنفس على الصبر والتحمل، فتكون لديك قوة إرادة، قوة عزم، قدرة على الالتزام، قدرة على مواجهة هوى النفس، قدرة على النهوض بالمسؤوليات والأعمال العظيمة، والأعمال المهمة، التي تحتاج إلى الصبر، إلى التحمل، وهي أعمال ذات أهمية كبيرة، قيمة كبيرة، لها نتائج مهمة في واقع الحياة، فهي وسيلة عظيمة، وسيلة تربوية مهمة، لكن الإنسان بحاجة إلى أن يستشعر ذلك، بحاجة إلى أن يستشعر ذلك.

شهر رمضان موسم الخير العظيم والرحمة والبركة!

((وجعل قيام ليلةٍ منه بتطوع صلاةٍ، كمن تطوع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور))، لاحظوا، هنا يقدم لنا هذا الشهر المبارك، الذي هو شهر رمضان طبعاً، كموسم خيرٍ- بهذا التقديم- كموسم خيرٍ عظيم، يضاعف فيه الأجر، فيكون التطوع فيه بصلاة، كمن تطوع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور، المضاعفة فيه، وهذا في غير ليلة القدر، {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: الآية3]، لكن في بقية الليالي، المضاعفة إلى سبعين ضعف، سبعين ضعفاً، يعني: المضاعفة كبيرة جدًّا للأجر والثواب.

((وجعل لمن تطوع فيه بخصلةٍ من خصال الخير والبر، كأجر من أدى فريضةً من فرائض الله “عزَّ جلَّ” فيما سواه))، مع أن الفرائض لها مرتبة عظيمة في الفضل، والأهمية، والأجر، والثواب، لكن ترتقي في شهر رمضان حتى الأعمال التطوعية في أجرها وفضلها إلى مستوى الفرائض في غير شهر رمضان، والفرائض في شهر رمضان ترتقي في فضلها وأهميتها على مستوى أكبر وأعظم.

((ومن أدى فريضةً من فرائض الله “عزَّ وجلَّ” فيه، كمن أدى سبعين فريضةً من فرائص الله “عزَّ وجلَّ” فيما سواه من الشهور))، يعني: موسم يمكن أن تكسب رصيداً كبيراً منه، موسم تجارة مع الله، تجارة مع الله، تحصل على أجر كبير، أجر عظيم، فضل كبير جدًّا، يمكن للإنسان في هذا الموسم أن يرتقي درجات عالية، في إيمانه، في منزلته عند الله، فيما يكتب له من الأجر والثواب والفضل، فرصة، فرصة عظيمة جدًّا، موسم خيرورحمة وبركة.