مظلومية وانتصار

ما بين تذكر النعم والتهديد والوعيد بعذاب جهنم

عندما يستجيب الانسان لله سبحانه وتعالى:

تحدث السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي عن الاستجابة لله فيما أمر به وفيما نهى عنه، مؤكداً أن الإنسان يدرك أنه عندما يستجيب لله عز وجل، فهو يستجيب لله فيما هو خيرٌ له هو، وبذلك فإن الاستجابة لله هي خير للإنسان ومصلحة له في الدنيا والآخرة، لاسيما وأن الله سبحانه تعالى قد هيأ له في هذه الحياة من النعم ومن الهداية ما يمكن من خلاله أن تستقيم حياته في الدنيا، ويضمن نجاته في الآخرة، يقول السيد القائد:

“التأثير لهذه النعم عندما نستذكرها، وعندما نستعرضها، يفترض أن يكون في نفسية الإنسان: انشداداً إلى الله، ومحبةً لله، وفي الواقع العملي: استجابةً عمليةً لله “سبحانه وتعالى” بكل رغبة، وبانطلاقةٍ جادة، والإنسان يدرك أنه عندما يستجيب لله، فهو يستجيب لله فيما هو خيرٌ له هو، ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى”: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} بعد كل هذه النعم، والتي في آخرها أنه “سبحانه وتعالى” مع كل ما قد أعطى، ومع كل ما قد منَّ به على هذا الإنسان، وهيَّأ له في الأرض، هو “جلَّ شأنه” جاهزٌ أن يستجيب له عند أي طارئ، وإذا سألته فهو يعطيك ما هو الأفضل والأنفع والأصلح لك أنت، واستجابتك له ليست فيما هو بحاجةٍ إليه “جلَّ شأنه”؛ لأنه الغني عنك، وعن أعمالك؛ إنما هي استجابةٌ فيما تحتاجه أنت، فيما هو خيرٌ لك أنت، فيما ينفعك أنت”.

إذا لم ينفع التذكير للإنسان:

تعد المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد القائد محاضرة مرعبة، ومخيفة للغاية لعامة الأنس والجن، لاسيما وأن فيها من التهديد والوعيد والتذكير والدروس والعبِّر ما يجعل الإنسان يراجع حساباته الخاطئة لعَّله يبحث عن مخرج لمصير نفسه ومستقبله في الاخرة، وينقذ نفسه قبل فوات الاوان، ويعرف ما الذي يجب عليه أن يعمله ليجنب نفسه عذاب الأخرة وأهوالها.

وإذا لم ينفع التذكير للإنسان بهذه النعم الكبيرة، فهناك العذاب والوعيد الشديدين، والحديث عن القيامة واسع جدا، فعندما يأتي اليوم الآخر والقيامة بعلم وقدرة الله الذي لا يخفى عليه شيء، يأتي الحساب والجزاء

وهو قريب جدا، وهو حديث يزجر الانسان عن حالة الغفلة والنسيان، فالتكذيب بالنعم وعدم شكر الله على هذه النعم، فإن واقع الانسان في الآخرة واقع الخاسر الخائب، يقول السيد القائد:

“إذا لم ينفع فيك كل هذا العرض لهذه النعم العظيمة، وهذا التذكير بهذه النعم العظيمة، ولم يكن لأيٍ منها أثره فيك، فهناك الوعيد الشديد؛ لأنك حينئذٍ ستكون في واقع المكذِّب بهذه النعم، المتنكِّر لها، ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى”: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ}[الرحمن: الآية31]، هذا وعيد شديد، إذا لم ينفع فيك التذكير بالنعم، فهناك أيضاً وعيدٌ شديدٌ، وهو وعيدٌ رهيبٌ جداً، هذا الوعيد من الله “سبحانه وتعالى” المقتدر، القهار، جبار السماوات والأرض، الذي هو على كل شيءٍ قدير”.

تذكير وتنبيه وتحذير:

    إن المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد القائد هي بمثابة استذكار وتذكير وتنبيه وتحذير لما ينتظر الأنس وكذلك الجن يوم القيامة، إذ أنهم مقبلون على يوم لا قادم لا محالة ولا مفر منه، يقول السيد القائد:

“أتى الخطاب في هذا الوعيد: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} للجن والإنس؛ لأن السورة المباركة، سورة الرحمن- كما قلنا- تخاطب الجن والإنس، ولهذا يقول: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: الآية32]، هنا يقول: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ}، هذا وعيد باليوم الآخر، بالآخرة، بالحياة الآتية، والتي تَذَكُّرها مهمٌ جداً، كعاملٍ رئيسيٍ ومهمٍ في الاستقامة في هذه الحياة.

الله “جلَّ شأنه” عندما أتى بهذا الوعيد الرهيب: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ}، وهو “جلَّ شأنه” الذي لا يشغله شأنٌ عن شأن، لا يعني ذلك أنه انشغل عن محاسبة عباده في هذه الدنيا بأشياء أخرى، بتدبير أمور هذا الكون، وهذا العالم، وهذا الملكوت الواسع، لا؛ إنما لأنه جعل مرحلة الحساب، وتوفية الأجور على الأعمال، هي في الآخرة، هي تلك المرحلة القادمة، والحياة الآخرة”.

من مات قامت قيامته:

“من مات قامت قيامته لم يعد لديه فرصة أخرى”، إن هذه الحالة من أخطر الأمور التي أكد عليها السيد القائد في محاضرته الرمضانية السابعة، والعبرة من ذلك أن هذا فيه تذكير وتنبيه للإنسان الذي لا يزال على قيد الحياة قبل أن يداهمه الموت بغتة، حيث لا تزال الفرصة سانحة أمامه للتكفير عن ذنوبه ومعاصيه التي ارتكبها، والعودة الصادقة والجادة إلى الله سبحانه وتعالى وذلك التوبة وبالاستجابة والطاعة والشكر له على نعمة التي أنعمها عليه، قبل أن يأتي الموت الذي لا مكان فيه للعودة للحياة الدنيا، والرجوع إليها مجدداً، يقول السيد القائد:

“القيامة ستأتي بغتة، ستأتي بغتة، ستأتي بشكلٍ مفاجئ، في وقتٍ غير متوقع، ولذلك من المهم الاستعداد لها، سواءً أتت وأنت على قيد الحياة، أو أتت وأنت كنت قد مت، فمن مات قامت قيامته، لم يعد لديه أي فرصة أخرى، ومرحلة الموت إلى القيامة هي مرحلة سريعة، تعتبر سريعة، الإنسان يتفاجأ، وكأنه لم يكن إلا عقب لحظة، أو وقت يسير جداً، من حين مات إلى حين بعث.

ولهذا الله “سبحانه وتعالى” أنذرنا في القرآن، وذكرنا بهذه الحقائق، قال عن القيامة، عن الساعة: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}[الأعراف: من الآية187]، في وقتٍ غير متوقع، الناس فيه يمارسون حياتهم الطبيعية، الكثير منهم في غفلة تامة عن هذه الأحداث، وعن هذا المستقبل الآتي، لا يأبهون به، لا يلتفتون إليه، لا يستعدون له، فيأتي بشكلٍ مفاجئ”.

من هم المجرمون؟

خلال المحاضرة، تسأل السيد القائد عن المجرمين بالقول: منهم المجرمون؟ ثم اجاب بأن المجرمين ليسوا فقط من يرتكبون الجرائم المعروفة، بل أولئك الذين يفرطون في طاعة الله ويتجاوزون حدوده، ويقصرون ويعصون فيما أمر الله عز وجل به، وأن أولئك يدخلون ضمن قائمة المجرمين؛ ذلك لأن المعاصي والجرائم ليست مقتصرة على تجاوز ما أمر الله عز وجل به ونهى عنه، بل تشمل التفريط والتقصير، يقول السيد القائد:

“من هم المجرمون؟ المجرمون ليس فقط من ذهب لارتكاب أبشع الجرائم، بارتكابه لها، وتعديه لحدود الله، المجرمون أيضاً من فرطوا في طاعة الله.إما أن تعصي الله فيما نهاك عنه، فتتجاوز حدوده، هذا نوعٌ من المعاصي.

وإما أن تعصي الله “سبحانه وتعالى” بتفريطك فيما أمرك به، وهذه من المعاصي الخطيرة، هذه من الجرائم الخطيرة، التي يتهاون بها الكثير من الناس، البعض من الناس قد يقول: [الحمد لله، أنا لا أشرب الخمر، أنا لا أرتكب الزنا، أنا لا أقتل النفس المحرمة، أنا لا أفعل كذا]، هذا جانب من المعاصي، ولكن هل أنت تجاهد في سبيل الله؟ هل أنت تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ هل أنت تتوحد مع المؤمنين في إطار الأخوة الإيمانية الصادقة، وتعتصم معهم بحبل الله “سبحانه وتعالى” جميعاً، وتحذر التفرق؛ أم أنك تعصي الله في كل هذا؟ هل أنت تنهض بمسؤولياتك الأخرى في واقعك الأسري والاجتماعي الذي أمرك الله بها، المعاصي والجرائم ليست فقط مقتصرةً على تجاوز ما نهى الله عنه، وفعل ما نهى الله عنه، بل والإخلال بما أمر الله به.

من يتجه مثلاً للفرقة، للفرقة عن إخوته المؤمنين، يشاقق، ويفارق، ويعاند، ولا يتجه للولاية الإيمانية، والأخوة الإيمانية، ماذا يقول الله؟ {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: الآية105]، هذا بحد ذاته، مفارقتك للجماعة المؤمنة، لإخوتك المؤمنين، مشاققتك لهم، وفرقتك عن طريق الاعتصام بحبل الله جميعاً، هذا لوحده كافٍ في أن تدخل به إلى جهنم، جريمة كافية، عليها وعيد بخصوصها بالعذاب العظيم، {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم}، مع أنها جريمة في الأساس يترتب عليها جرائم كثيرة، يتفرع عنها جرائم كثيرة، لا يتسع الوقت للحديث عنها.

فمصطلح الجرائم لا يخص فقط التصور لدى البعض من الناس، الذي ينحصر على تجاوز ما نهى الله عنه، بل يأتي أيضاً إلى العصيان لله فيما أمر به، وهذا هو من أكبر الجرائم التي يغفل عنها الكثير من الناس، ويتورطون فيها”.

عالم جهنم “كل شيءٍ عذاب”:

تحدث الـسيد القائد عن لهيب جهنم وسعيرها وحميمها، مؤكداً أنه في عالم جهنم كل شيء عذاب، فالطعام عذاب والشراب عذاب والثياب من نار، وكل شيء من نار، حيث يقول:

“{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}[الرحمن: الآية44]، (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا): يتمشى، هو في الدنيا كان البعض طموحه أن يكون لديه إمكانات ضخمة، بيوت ضخمة، منازل ضخمة، مزارع ضخمة، وأن يدور بينها، وأن يطوف بينها، طموح الكثير من الناس، سواءً وصل إلى ذلك، أو لم يصل، وقد يكون هذا مما يدفع الكثير من الناس أن يقفوا في موقف الباطل، أو أن يقعدوا عن نصرة الحق، أو أن يتخاذلوا عمَّا أمر الله به، أو أن يتجاوزوا ما نهى الله عنه، فهم في جهنم يطوفون بينها، بين لهبها، يطوف وهو كتلة مشتعلة من النار، مستعر بنار جهنم والعياذ بالله، كيف ستكون آلامه وهو يحترق، وأي حريق، الحريق بنار الدنيا مؤلمٌ جداً للإنسان، ما بالك بحريق نار جهنم”.

ومن الجرائم الخطيرة والمعاصي هو عدم الاعتصام بحبل الله، وعدم القيام بالمسئولية تجاه ما أمر الله به، والمفارقة والمشاققه بين المؤمنين، وهذه في حد ذاتها عليها وعيد بالعذاب العظيم، وأي عوامل دفعت الإنسان لارتكاب معصية تتعلق بنكران نعم الله أو معصيه لله، فهناك جهنم تنتظره التي يطوف بين حميمها ونارها، وأكلها عذاب وشرابها عذاب وثيابها عذاب، يقول السيد القائد من قوله تعالى:

{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا}: بين لهبها ونارها المستعرة، {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}: وبين الحميم، يسبح في تلك المسابح الجهنمية، التي تغلي إلى أشد مستوى من الحرارة، ساخنةٌ جداً جداً، فهو يحترق بالنار أحياناً، وبالحميم الساخن جداً، الحار جداً، أحياناً أخرى، حالة رهيبة.

وفي ذلك العالم (عالم جهنم) كل شيءٍ عذاب: أكلك عذاب، أكلك عذاب، تأكل الزقوم، الذي {يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}[الدخان: 45-46]، تشرب الحميم الذي يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء، {يَشْوِي الْوُجُوهَ}[الكهف: من الآية29] قال عنه، {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}[محمد: الآية15]، لا يرويك من ظمأ، وطعامها كذلك لا يشبعك من جوع؛ إنما هو عذاب، {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات: الآية66].

ثيابك من النار، ثوبك الذي تلبسه، ثوبٌ ناريٌ أحاط بجسدك، {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ}[الحج: من الآية19]، كل شيءٍ عذاب، فإذا أردت أن تبرد، أين ستبرد حرارتك؟ ليس أمامك إلا ذلك الحميم الشديد في حرارته جداً، {حَمِيمٍ آنٍ} والعياذ بالله! وكربٌ دائم، وحسراتٌ دائمة، وعذابٌ نفسيٌ دائم”.

من المهم في شهر رمضان:

ختم السيد القائد المحاضرة بدعوة عامة للجميع، حيث يؤكد بالقول: “من المهم في شهر رمضان، والإنسان يقرأ القرآن، أن يتأمل جيداً في الآيات القرآنية التي تقدم عرضاً متكاملاً عن أصناف العذاب في جهنم، ليحذر؛ لأن الله يريد منا أن نحذر.

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: الآية45]، من نعمه أن يوضح لنا حتى تفاصيل العذاب في جهنم؛ حتى نحذر هنا في الدنيا؛ لأن فرصتنا هي هنا”.

ومن المهم جداً أن يتأمل الإنسان عندما يقرأ القرآن الكريم أن يتأمل جيداً في الآيات القرآنية التي تقدم عرضاً متكاملاً عن عذاب جهنم، وهذا فيه ما يجعل الإنسان يرتدع ويخاف ويخشى الله بعد إن عرف وأدرك ما أعده الله عز وجل من وعيد وعذاب للمعرضين والمجرمين والمفرطين والمقصرين.