مظلومية وانتصار

هذا الفيضُ مِنْ بركاتِ الزكاة

بقلم عبدالرحمن الأهنومي

 

 

 

 

 

تستعد الهيئة العامة للزكاة لإقامة العرس الجماعي الثالث الذي يعد الأكبر من نوعه حيث ينتظر 9 آلاف و400 عريس وعروس اكتمال فرحتهم يوم الإثنين بزفافهم على حساب الهيئة العامة للزكاة، والرقم كبير جداً وبحسب البحث في محركات الانترنت لم يشهد العالم عرساً جماعياً بهذا العدد، وهو ما يجعلنا أمام حدث متميز واستثنائي وغير مسبوق.

العرس الجماعي المرتقب لم يكن الأول الذي تموله هيئة الزكاة، إذ أن مشاريع تزويج الشباب التي عملت عليها الهيئة العامة للزكاة لم تتوقف منذ بداية تأسيسها ، فقد شهدنا العام المنصرم عرسا جماعيا لـ7 آلاف و300 عريس وعروس ، وفي العام الذي سبقه أيضا شهدنا عرسا جماعيا لأكثر من 3 آلاف وخمسمائة عريس وعروس ، علاوة على أن الهيئة تقوم بصرف مساعدات مستمرة للشباب الذين يعجزون عن دفع تكاليف المهور ، وقد ساعدت الهيئة بتلك الإعانات أكثر من ثلاثين ألف شاب خلال الفترات الماضية.

ولسنا بصدد استعراض الأرقام لما تقوم به الهيئة العامة للزكاة فمشاريعها الكثيرة والكبيرة ملموسة لدى كافة اليمنيين ، لكن بالحديث عن مشاريع الزكاة في تزويج الشباب المعسرين الذي تهدف الهيئة من خلاله إلى نشر البهجة والأفراح في ديار اليمنيين ، وفي ذلك ما فيه من رسالة لمن أراد أن يحول حياة اليمنيين إلى أحزان ومآتم وفظائع بحربه وحصاره ، وفي ذلك ما فيه من صمود وتحد يكسر محاولات العدوان تفخيخ حياة اليمنيين وتفجيرها بل ووقف قاطرتها ، وفي هذه الأعراس ما فيها من تفرد يسطره الشعب اليمني للعالم في الأفراح والأعراس رغم ما يعانونه من تحديات وعواصف وظروف قاسية.

لهذه الأعراس قيمتها الإنسانية والأخلاقية، ولها غاياتها الدينية والإيمانية، وهو أيضا جانب واحد من جوانب ثمار الزكاة وفيض من بركات هذه الفريضة الإلهية التي أمر الله بها وقرنها بالشهادة والصلاة والصيام، فلو لم تكن الزكاة التي فرضها الله سبحانه وتعالى لما وجد الألوف من المعسرين ما يمكنهم من إكمال دينهم وصنع أفراحهم ، ولولا هذه الفريضة المقدسة لما وجد ألوف الفقراء والمعوزين والبؤساء والزمنى والمرضى والمعسرين والغارمين والمعاقين والجرحى وعوائل الشهداء ما يسد حوائجهم ، وما زلنا في البدايات.

كم فقير كسا أولاده الصغار من ثمار الزكاة وبركاتها ، وكم معسر خرج من السجن بعد عشرات السنين دفعت عنه هيئة الزكاة الغرامات التي سجن بسببها ، وكم رقاب أعتقتها هذه الفريضة بدفع الديات عنها ، وكم مشاريع مولتها هذه الفريضة ، وكم مريض وكم معوز وكم عسير فرجت كربته بركات هذه الفريضة الشرعية التي غابت طويلا عن حياتنا حينما حولها النظام السابق إلى أداة لشراء ولاءات وذمم ووزعها في غير مصارفها فضاعت ثمارها وتلاشت واختفت ولم تظهر إلا في أرصدة مسؤولي نظام النهب والفساد حينها ، حتى تشكلت الهيئة العامة للزكاة ، فوجد الفقير حاجته والمسكين ما يسد فاقته ، والغارم ما يسدد دينه ، والحبيس ما يفرج أسره ، والمعسر ما يفك عسره ، ووجد الفقراء كسوة أولادهم الصغار في الأعياد ، بعدما حرم هؤلاء جميعاً من حقهم المعلوم المفروض من الله ولعقود طويلة.

هذه الأفراح التي تضوع الأرجاء هي فيض من بركات الزكاة ، وهي ثمرة واحدة فقط من ثمار إقامة الركن الثالث من أركان الإسلام بكل ما تعنيه الكلمة من معنى الإقامة ، فقد مكثنا طويلا نتحدث عن إقامة الزكاة لكنه حديث بلا معناه فقد كانت فريضة الزكاة مغيبة ولعقود ، وفيما نلمسه من إنجازات تقوم بها هيئة الزكاة تتجلى الأهميّة الكبرى لفريضة الزكاة وثمرتها وأثرها على الجانب الاجتماعي.

هذه الأعراس البهيجة التي تلألئ الحياة بالأفراح والمسرات ، هي بفضل الله الذي أوجب هذه الفريضة المعلومة في أموال الأغنياء ، ولنتخيل تسعة آلاف وأربعمائة أسرة ستفرح يوم الإثنين القادم بزفاف أولادها بعدما عجزت عن تزويجهم ، أي نظام يمكن أن يزوج هذا العدد ولو كان يملك خزائن الدولارات ، وأي تاجر ثري يمكن أن يفرح ويبهج ألاف الأسر بتزويج أبنائها ، لكن الله جعل في هذه الفريضة بركات تفيض على الناس بالفرح والسرور وتفرج عنهم الكرب والعسر ، وما أعظم دين الله حين يصبح نظاماً حاكماً للحياة وللشؤون وللناس وناظماً لأمور العباد كلها ، وما أعظم شرع الله حينما يصبح قائماً في الناس ، وما أعظم هذا التجسيد العملي لدين الله الذي يجعل اليمنيين يصدِّرون المفاجآت ويتفردون في أعراسهم وأفراحهم كما في بطولاتهم وفي صبرهم وفي كل الميادين.

وإذا كان الأعداء قد أجهدوا أنفسهم في محاربة مظاهر الحياة باستهداف حياتنا وقتل أفراحنا وأعراسنا فرسالة العرس الجماعي الأكبر واضحة ، على العدوان أن يقنع أولئك الذين يعيشون تحت سطوته وسيطرته في المناطق المحتلة بأنه قد قدم لهم شيئا يذكر ، ولو بزواج شاب واحد ، أو بتفريج كربة عن يمني ما يعيش هناك ، لا شيء إلا البؤس والحرمان والتجنيد في معاركه وحروبه ليموتوا بلا معنى وبلا قيمة.