يوم الفرقان… يومٌ فارقٌ في التاريخ الإسلامي

يوم الفرقان هو يومٌ فارقٌ في التاريخ الإسلامي، أسس لمرحلةٍ جديدة، بدلا من مرحلة الاستضعاف التي شابها شكوك الكثير وإعراض الأكثر من الناس عن الرسول والرسالة فطمأن الكثير من الناس، وعزز عندهم الثقة بنصر الله لنبيه رغم قلة العدد والعدة، في مقابل الأعداء وما يمتلكونه من قوة وهذا النصر أسهم في تغيير نظرة الناس إلى الإسلام بصورة إيجابية ووجَّه ضربةً مؤلمةً جدًّا للأعداء، وبالذات لقريش رأس الكفر، واستمر تأثيره فيما بعد وصولاً إلى يوم الفتح، في السنة الثامنة للهجرة النبوية .

 أسباب عدم الاستجابة للرسالة في مرحلتها الأولى

سيطر القلق من هذه الرسالة على قوى الشر والضلال لادراكهم أهميتها وقدرتها الفائقة على صنع تغييراً حقيقياً في واقع الناس، وأنها منهجٌ يحرر كل من التزم به، وكل من آمن به من هيمنة كل القوى الأخرى، فهي تبني أمةً مستقلة على أساس منهج الله ولهذا رأوا فيها خطرا على سلطاتهم ومكانتهم الاجتماعية وأنها ستحول بينهم وبين بقائهم في مراكز التسلط والظلم للناس ومن هنا شرعوا في حربها بكل شراسة.

أما البعض الآخر فسيطرت عليه المخاوف من عدم قدرة هذا الدين على الانتشار خاصة لما كان يلحظه من حالة تكذيب وصد شديدة من قبل كل القوى الموجودة في الساحة [وثنيون ويهود ونصارى] وبيئة كلها غير مرحِّبة بهذا الدين، وغير متقبلة لهذه الرسالة العظيمة مع ما يتصف به هذا الدين من استضعاف فلا ثروة مالية ولا قوة عسكرية ولا أتباع ذوي شأن ومكانة وسلطة ولا حتى كثافة بشرية ولذلك رأوا أن من الحكمة هو عدم التأثر بهذا الدين والتعرض لسخط ذوي رؤوس الأموال من سادة من قريش فالأفضل هو النأي بالنفس وترك هذه الرسالة وشأنها.

والبعض رأى في الإسلام مشروعا عبثيا لا فائدة ترجى منه فليس لديه المال ولا أفق واضح لمستقبله بل يتطلب أن تنفق عليه أنت فرأوا فيه وسيلة ضاغطة أكثر فتركوه وابتعدوا عنه بينما هناك من تأثر بالشائعات وصدق الدعايات التي رافقت هذا المشروع بأن رسول الله ساحر ومجنون وكذاب وأن الإسلام دين العنصرية وغيرها من الدعايات وبنى قناعاته على هذه الدعايات فصد عن الإسلام ولم يتأثر به.

البعض منعه تشبثه الشديد بالعادات والتقاليد، وبالأفكار الباطلة في أوساط المجتمع، وخاصة تلك التي أصبحت من المسلَّمات التي يعتقدها الناس في واقع حياتهم، ويدينون بها، ويلتزمون بها، ويتشبثون بها منعه كل ذلك من الإسلام ورأى أن مخالفتها والخروج عليها يعد ضربا من الجنون فهجر الإسلام وابتعد عنه حفاظا على تلك العادات السيئة والتقاليد الخاطئة.

أضف إلى ذلك قناعة قوى الضلال بأنها هي من تملك الأوراق الرابحة وتمتلك القوة العسكرية، والإمكانات المادية الضخمة، والنفوذ في أوساط المجتمع، والتأثير الإعلامي والفكري والثقافي في أوساط الناس فهي من ستكسب النتيجة لصالحها ولذلك دخلت في معاداة الدين بكل قسوة وعنجهية وشدة وكانت بعيدة كل البعد عن التفهم والتروي والتعاطي معه ولو بشيء بسيط من الواقعية.

الرسول يصمد أمام التحديات

أمام كل هذه الصعوبات وكل هذه التحديات، كان النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- يتحرك واثقاً بالله متوكلاً عليه -جلَّ شأنه-، وهو- في نفس الوقت- يؤمن بهذه الرسالة، يؤمن بعظمتها، وأهميتها، وإيجابيتها في الواقع، ويحمل روحيتها العالية؛ لأن هذا الدين العظيم يترك أثراً عظيماً في نفس الإنسان، ومشاعره، فيعزز فيه اليقين، والثقة بالله ؛ ولذلك وصل الأعداء معه في ضغوطهم، واستهدافهم، إلى مراحل خطيرة، قال الله -جلَّ شأنه-: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال: الآية 30].

 

حتمية الصراع مع قوى الطاغوت

 

بعد أن أذن الله سبحانه وتعالى لرسوله بالهجرة إلى المدينة بدأ بتكوين هذه الأمة، فزاد الأعداء من تحركاتهم في الساحة لاستهدافه، وعدم السماح لهذه الأمة الناشئة ولهذا الدين بالاستمرار، فتحركوا لمضايقة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، ولحصاره وعزله في المدينة، وتحالفوا مع مختلف القبائل والمناطق، لحربه ومقاطعته اقتصاديا ثم بدأوا ترتيباتهم واستعداداتهم العسكرية بهدف الزحف باتجاه المدينة.

 

رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- يتصدى لتلك التحركات

وبتوجيهات الله سبحانه وتعالى العليم بالواقع البشري وتعليماته تصدى رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-  لكل هذه التحديات والمخاطر، لأنه لا إسلام من دون جهاد، وتضحيات، وبعد عدد من السرايا التي كان يبعثها رسول الله بين الفينة والأخرى وفي كل الاتجاهات أراد أن يؤدب قريش رأس الكفر وأشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين بأن يعترض قافلتها العائدة من بلاد الشام بقيادة أبو سفيان بن حرب فخرج مع أصحابه للقائها ولكن أبا سفيان كان قد بلغه الخبر من منافقي المدينة فعدل وجهتها ونجابها بعد أن كتب لقريش يخبرها بذلك والتي استشاط غضبها بمجرد سماعها للخبر فخرجت في ألف مقاتل مدججين بالسلاح يتقدمهم مائة فارس وخرج رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في أصحابه الذين لا يزيدون على ثلاث مائة رجل والتقى الطرفان في وادي بدر وهناك بدأت  المعركة بالمبارزة انتهت بمقتل مبارزين قريش الذين طلبوا أكفاءهم من بني هاشم فخرج علي وحمزة وعبيدة بن الحارث الذي استشهد بعد المعركة متأثرا بجراحه.

 

المدد الإلهي في المعركة

 

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[الأنفال: الآية 9].

كانت قريش  قد سبقت الرسول وأصحابه إلى الماء وسيطرت عليه ووصل الرسول وأصحابه ليلا وعسكروا في الضفة المقابلة وعندها سيطرت المخاوف على الكثير من الصحابة فكانوا يعيشون الوضع النفسي القلق تجاه المعركة المقبلة، ولكنهم توجَّهوا إلى الله -سبحانه وتعالى- والتجأوا إليه، واستغاثوه، وطلبوا منه النصر، والمعونة والتثبيت، وهذه هي الحالة الإيجابية الصحيحة، {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: الآية 10]، وصل خبر هذا المدد  إلى المسلمين والمجاهدين في تلك الغزوة عن طريق الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، جعل الله هذا المدد بشارةً لهم بالنصر، وطمأنةً لقلوبهم، وإشعاراً لهم بأنهم ليسوا لوحدهم في ميدان المعركة، أنَّ الله معهم، وأنه قد أمدَّهم بملائكته، وأنها قد وصلتهم هذه التعزيزات التي هي بعدد يفوق عددهم أضعافاً مضاعفة، لهذا تأثير معنوي إيجابي كبير في نفوسهم يساعدهم على الاطمئنان.

{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}[الأنفال: الآية 11].

,,ولأنهم وصلوا متعبين وخائفين جاءهم التأييد الإلهي  فمنحهم من السكينة ومن الاطمئنان ما ساعدهم على أن يحظوا بهذه الراحة المطلوبة، والتي توفرت لهم عن طريق النعاس الذي أمدَّهم الله به، وغشاهم به، عندما كان يغشيهم النعاس، كان يصحبه الشعور بالاطمئنان، بالأمن؛ فكانت عملية طمأنة إضافية، تساعد على الراحة النفسية، والاطمئنان القلبي.

{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}، نزَّل الله عليهم من السماء ماءً، وهذا الماء كانوا في أمسِّ الحاجة إليه؛ لأن الأعداء كانوا قد سبقوهم إلى آبار المياه، وكان لهذا الماء فوائد متعددة: {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}، يستفيدون منه للطهارة للصلاة، وللاغتسال، وللنظافة، ولراحة الجسم، وحيويته، وانتعاشه {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}، أي وساوسه القذرة؛ من أنهم قد يموتون عطشاً، لأن العدو قد سيطر على الماء، {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}، وسيلة للربط على القلوب، لتبقى معنوياتهم عالية، ليبقوا متماسكين حتى لا يعيش حالة الاضطراب والقلق في واقعهم {وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}، لأن وادي بدر كان منطقةً رملية، وكان القتال فيها صعباً؛ سواءً بالنسبة للمشاة أو للفرسان، لكن بالنسبة للمسلمين كانوا- تقريباً- كلهم مشاة، ما عدا فرساً واحداً كان معهم، فسيصعب عليهم القتال في منطقة رملية تنزل فيها أرجلهم، ويصعب عليهم التحرك الذي يستلزمه القتال؛ لأن للقتال حركته المناسبة.

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}[الأنفال: الآية 12]، وهنا بدأت المعركة، وبقيت رعايته مستمرة ومواكبةً لمجريات المعركة { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} فالوظيفة الرئيسية والمهمة الأساسية للملائكة كانت هي: التثبيت للذين آمنوا في هذه المعركة، والملائكة لها وسائلها وطرقها التي يمكنها من خلالها أن تؤدي هذا الدور.

{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} الله يربط على قلوب المؤمنين في موقفهم الحق عندما يثبتون- وفي نفس الوقت- يلقي الرعب في قلوب أعدائهم، فينهزمون فوراً، تنهار معنوياتهم ويفشلون، فتصبح هزيمتهم حتمية {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}، هذا توجيه للمؤمنين أن يضربوا ضربات مُنَكِّلة بالعدو؛ لأنها أيضاً من العوامل المهمة التي تساعد على تحقيق النصر، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}[الأنفال: 13-14]، لا يمكن أن يقف الله مع بعضٍ من عبيده ضد بعض لاعتبارات تخرج عن إطار الحق، لا لمنطقتهم، ولا لأي اعتبارٍ آخر، ولا لاسم، ولا لعنوان.

 

بعض الدروس المستفادة من المعركة

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأنفال: الآية 17].

الدرس الأول: هو ثمرة الاعتماد على الله-جلَّ شأنه-،، والتوكل عليه فالله سبحانه وتعالى  يمنح من رعايته، ومعونته، وتأييده، ما يمكِّن عباده المؤمنين في موقفهم الحق من إلحاق الخسائر الكبيرة بالعدو تصل أحياناً إلى قتل قادة في صفوف العدو، بالرغم من محدودية الإمكانات على المستوى المادي والعسكري في يد المؤمنين.

الدرس الثاني: هو درسٌ تربويٌ مهم، وهو: أنَّ الله يذكِّرنا بأنه -جل شأنه- الذي يمكِّن، لولا تمكينه، لولا تأييده، لولا معونته، لولا إمداده المعنوي، لولا تسهيلاته الكثيرة التي يحققها لعباده المؤمنين؛ لما تمكَّنوا من النكاية بالعدو بحساب إمكاناتهم المادية وقدراتهم البشرية، ولكن تأييد الله ومعونته كانت هي الحاسمة، والتي حققت هذه النتيجة، وبدونها لم  يكن ذلك ليحدث، ولم تكن تلك النتيجة لتكون.

وهذا يفيد في أن يبقى المؤمن مستشعراً فضل الله ونعمته عليه، حتى لا يصاب بالغرور، ويعيش حالة العجب بالنفس، وتتجه إلى نفسه فيحسب هذا إنجازه، وقدرته، وخبرته، وجدارته ليظل أكثر ارتباطا بالله في ساعة العسرة.

الدرس الثالث: على المستوى الأمني إذ أنه لا يستحسن أن يتباهى الإنسان بقتل أشخاص حتى لا يعرض نفسه لتركيز العدو عليه أو يثير الحساسية بينه وبين البعض ممن يعرفهم أو يجلس معهم  فيركزوا عليه شخصياً، وتتحول القضية إلى قضية شبه شخصية وثأر شخصي.

الدرس الرابع: أيضاً على المستوى الاجتماعي: وهو أنَّ البعض من القتلى قد يكون من أسرة معينة، أو من منطقة معينة، أو من قبيلة معينة، والتباهي بقتله قد يورث الضغائن في نفس أسرته، في نفس أصحابه، في قبيلته، وتكون المسألة حسَّاسة، تترك تأثيراً سلبياً على المستوى الاجتماعي، البعض قد يكون من نفس مجتمعك الذي أنت تعيش فيه، فيكون لهذا آثار  سلبية حتى على مستوى المستقبل، على مستوى المستقبل قد يؤثِّر على البعض في موقفهم، في هدايتهم، في صلاحهم.

الدرس الخامس: درسٌ مهمٌ من قوله -جل شأنه-: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا}، أن الله لن يتخلى عن عباده المؤمنين لا عن رعايتهم ولا عن معونتهم وتأييدهم ونصرهم خاصة وهم في أصعب الظروف فهو من يواكبهم لحظةً بلحظة، فيمنحهم معونته وتأييده ورعايته العجيبة جدًّا.

الدرس السادس: نستفيد منها أيضا أن سنة الله ثابتة في التصدي لأعدائه وإيهان كيدهم وإضعاف شوكتهم قال تعالى{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}[الأنفال: الآية 18]، مُوهِنُ-اسم الفاعل ليبين أنها سنة إلهية ثابتة مع عباده المؤمنين في كل زمان، وفي كل معركةٍ وتحدٍ، طالما التزموا بأسباب نصره وتأييده، فهو يوهن {كَيْدِ الْكَافِرِينَ} أي ما يعتمدون عليه من خطط، ومؤامرات، ووسائل، وإمكانات تمكِّنهم من السيطرة، تمكِّنهم من حسم المعركة، الله يوهنها؛ فيفقدها فاعليتها، ويفقدها تأثيرها، ويحد من مستوى فاعليتها، وهذا من أهم مظاهر التأييد الإلهي والمعونة الإلهية: أنَّ الله يحد ويضعف ويقلل من صلابتها وتأثيرها وفاعليتها، فتكون النتيجة كبيرة عليهم، تكون نتيجة الوهن التي تهيئهم للهزيمة، وتفشل عليهم- في نهاية المطاف- الكثير من خططهم، فتكون نجاحاتهم محدودة، وغير مؤثرة بالشكل الذي يحسم المعركة لصالحهم، وهذا يشمل كل المجالات: على المستوى العسكري، على المستوى الأمني، على المستوى الاقتصادي، إذا تحرَّكت الأمةُ معتمدةً على الله، وعززت الصلة الإيمانية بالله -جلَّ شأنه-، واستجابت عملياً، وتحركت كما ينبغي.