أوهام العدو تسقط على أعتاب الأنفاق المتفجّرة وكمائن المقاومة المركّبة
تقرير | وديع العبسي
انفجار أول.. نجمَ عن عبوة ناسفة استهدفت مدرعة عسكرية كانت تقل مجندين “إسرائيليين” في منطقة بيت حانون، واستهدفت عبوة أخرى قوة الإنقاذ، وعبوة ثالثة ورابعة.. تناثرت أشلاء بعض المجندين، واحترق بعضهم، فيما تم انتشال الآخرين مصابين، بينهم من إصابته خطيرة.. تحليق مكثف لمقاتلات ومروحيات سلاح الجو في سماء غزة، وقصف مدفعي متزامن شمال غربي المدينة. وصَف العدو الصهيوني الحدث بالصعب والاستثنائي. واعتبر مراقبون العملية أنها من أبرز وأعنف العمليات التي طالت قوات العدو الصهيوني منذ أسابيع.
أصبح واقع جنود العدو في غزة انتحارا فعليا، وقد تحولوا إلى جماعات مسلحة مهترئة، ثقيلة الحركة، يحاصرها الخوف والإحباط، مع غياب الشعور بالثقة وبالهدف الذي تلاشى مع طول المعركة دون تباشير بنهاية.
الجنود -مذعنين- يُساقون بلا إرادة إلى المحرقة، مع عجز عن إيقاف النتنياهو عن الاستمرار في هذه الجريمة العبثية التي يندى لها جبين الإنسانية، بحجم ما تشهده من انتهاك صارخ لكل الحقوق الإنسانية. وكما شن على القطاع حرب إبادة جماعية، فإنه يزج -منذ أكثر من عام ونصف- بجنوده إلى انتحار جماعي.
وأعلن جيش العدو الإسرائيلي صباح اليوم الثلاثاء، مصرع خمسة صهاينة من كتيبة “نيتسح يهودا”، وإصابة 14 آخرين، بينهم اثنان في حالة حرجة، إثر انفجار عبوات ناسفة في بيت حانون شمالي قطاع غزة الليلة الماضية.
وذكرت إذاعة “جيش” العدو أن مقاتلين فلسطينيين زرعوا عبوتين ناسفتين على الطريق، وفجروهما بشكل متتالٍ أثناء مرور القوة العسكرية، ما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوفها. وأضافت أن الهجوم تواصل باستهداف الجنود أثناء محاولتهم إجلاء المصابين من الموقع.
وبحسب التحقيقات الأولية لقيادة العدو، وقعت الحادثة حوالي الساعة العاشرة مساء الإثنين، عندما عبرت قوة مشاة من كتيبة “نيتسح يهودا” التابعة للواء “كفير” طريقا قرب الحدود كان العدو يستخدمه في عملياته الهجومية. وانفجرت العبوات الناسفة المزروعة مسبقا في القوة، وأثناء محاولات إجلاء المصابين، تعرض الجنود أيضا لإطلاق نار في كمين مشترك نفذه عناصر فلسطينيون، وتم إخلاء الجرحى.
وبهذا الكمين، يرتفع عدد قتلى “جيش” العدو منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023، إلى 888 جنديا صهيونيا، بينهم 446 سقطوا خلال العمليات البرية في قطاع غزة، و39 منذ انتهاء صفقة الأسرى الأخيرة.
وذكرت مصادر عسكرية أن الحادث وقع في منطقة شهدت عمليات توغل عديدة منذ بدء المناورة البرية أواخر 2023، فيما دوت صافرات الإنذار الليلة الماضية مرتين في مناطق قريبة جدا من موقع الهجوم.
في السياق يؤكد الناطق العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أن العملية التي نفذتها كتائب القسام في بيت حانون شمال قطاع غزة، تعد ضربةً لهيبةِ “جيش” الاحتلال الإسرائيلي.
ويوضح أن عملية بيت حانون المركبة هي “ضربةٌ إضافيةٌ سددها مجاهدونا الأشداء لهيبة جيش الاحتلال الهزيل ووحداته الأكثر إجراماً في ميدانٍ ظنّه الاحتلال آمناً بعد أن لم يُبقِ فيه حجراً على حجر”.
ويردف: “إن معركة الاستنزاف التي يخوضها مقاتلونا مع العدوّ من شمال القطاع إلى جنوبه ستكبّده كل يومٍ خسائر إضافية، ولئن نجح مؤخراً في تخليص جنوده من الجحيم بأعجوبة؛ فلربما يفشل في ذلك لاحقاً، ليصبح في قبضتنا أسرى إضافيون”.
ويبين أن “صمود شعبنا وبسالة مقاوميه الشجعان هما حصراً من يصنعان المعادلات، ويرسمان معالم المرحلة القادمة”، مشددًا على أن “القرار الأكثر غباءً الذي يمكن أن يتخذه نتنياهو سيكون الإبقاء على قواته داخل القطاع”.
السقوط المدوّي للعدو في مثل هذه العمليات البطولية، يجعل ما تنجزه المقاومة انتصارا مشهودا، فهي التي تأتي بعد ما يقارب العامين من العدوان على غزة، وهي التي تأتي وغزة في ذروة الإبادة بالقتل والتنكيل والحصار. مشهد الأشلاء المتطايرة لمجندي العدو واحتراق بعضهم من حجم الخسائر التي يتكبدها وسيظل يتكبد تداعياتها، يأتي على سمعته العسكرية، وعلى المستوى السياسي والاقتصادي أيضا. وصَف إعلام العدو ما حدث بـ”العار”، وقالت مواقع عبرية: حقل ألغام، وكمين صعب قرب الحدود بعد 20 شهرا من القتال في غزة. هذا عار ومهين للجيش.
حرص الكيان على ممارسة أقسى مستوى للعنف ضد أهالي غزة، في محاولة لقتل روح المقاومة، لتأتي عملية الاثنين النوعية في بيت حانون، فتنسف كل اشتغاله خلال (21) شهرا، وتعيد كل الإنجاز إلى مستوى الصفر، باستثناء إنجازه الوحشي بقتل النساء والأطفال. وهو ما أصبح يدركه الغاصبون داخل الكيان، ما تسبب في تعالي الأصوات المنددة باستمرار حرب لا معنى لها، لم تتمكن من إعادة جميع الأسرى لا أحياء ولا قتلى.
لأسابيع مضت والمقاومة تُعيد حال المواجهة مع “جيش” العدو إلى نقطة البداية، متسببة في قتل الحالة المعنوية لديه، ولدى الغاصبين، الذين لم يفيقوا بعد صدمات تتابع التهديدات و”اللّكمات” منذ السابع من أكتوبر 2023، من جهات محور المقاومة فكلما حاول النتنياهو رسم نتيجة تُصوِّر للمغتصبين الاقتراب من هدف إنهاء فلسطينييّ غزة من الوجود، خرجت فصائل المقاومة بعمليات نوعية واستراتيجية، تُعيده إلى طاولة “الكابينت” من جديد، لمراجعة “مكامن الأخطاء”.
ذهب التنياهو إلى حملة العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، ممنياً نفسه بالخروج من بوابة غزة إلى كل المنطقة، وإعادة ترتيب “الشرق الأوسط” وفق الرؤية الصهيونية التي تحقق لكيانه غير الشرعي مساحة أكبر، وهيمنة مطلقة على دول المنطقة، ووضع هدف إنهاء حركات المقاومة كمدخل لهذا الغرض، واستعادة أسراه، وخلال عُمر العدوان كان يتنقل بين شمال ووسط وجنوب القطاع، في تحركات شيطانية تلاحق النساء والأطفال بآلة القتل والتجويع، ليجد نفسه فجأة قد وقع في فخ الإخفاق، فرقم الخسائر يتصاعد بشكل لافت، والعالم ضاق ذرعا من هذه العربدة الصهيونية، وفي مقابل عدد قليل من الأسرى كان يدفع لقتل العشرات من مجنديه، ولم ينته إلى شيء.
لا تُعد قوة عمليات المقاومة بنجاحها فقط في تحقيق أقصى درجات الردع، وإنما في ما تشير إليه أيضا من حيث مواقيت تنفيذها، فعملية بيت حانون جاءت في وقت كانت تجري فيه المفاوضات بين المقاومة ومندوبي الاحتلال، ما يشير إلى سيطرة الفصائل على إدارة المواجهة، وتحديد توقيتات عملياتها ونوعيات أهدافها، بما يعنيه ذلك من تمكين المفاوض الفلسطيني في قطر لخوض تفاصيل المفاوضات من منطلق قوة وليس ضعف.
يتشبث “جيش” العدو الإسرائيلي بعدم الانسحاب من غزة، وهي مسألة تكشف عن مستوى حماقته واستلاب قدرته على تقدير الوقائع بصورة تمكنه من اتخاذ القرار الصحيح، الذي لا يقل عن الانسحاب، وإعادة ما دمره في القطاع، والتعويض. وفي تفاصيل عملية بيت حانون ما يقصم ظهر العدو، ويجعل من حماقته انتحارا، فالعملية تشير أيضا إلى نجاح استخباراتي للمقاومة الناجحة في الحصول على المعلومة، وتحديد زمن تحرك العدو، مستفيدة من علمها بخارطة انتشار وتحركات جنوده داخل القطاع، وهذا ما يفسر استمرار عمليات الاستهداف، وتدمير العربات والمدرعات العسكرية التابعة له، وكذا عمليات القنص، بل وأعطى ذلك أيضا المقاومة القدرة على وضع الأفخاخ والكمائن، وجرّ جنود العدو إلى أماكن بذاتها، ما إن يصلوا إليها حتى يتم تفجيرها.
وفي الأثناء ومع تصاعد العمليات يشدد العدو الإسرائيلي والرقابة العسكرية من التكتيم، وفرض رقابة مشددة على خروج المعلومة، ولا يتوانى عن قمع واعتقال أشخاص يتداولون معلومات أو صورا ومقاطع فيديو، عن ما يتعرض له من صفعات، سواء من قبل المقاومة الفلسطينية أو من إيران أو اليمن، ما يُظهر اهتزازه، إلا أنه مع ذلك يفشل في منع خروج التفاصيل، تقول صحيفة “هآرتس” العبرية إن الاستخبارات توجه الاتهامات لكل الصحافيين والناشطين الذين ينشرون أخباراً أو صوراً عن ما يجري في “الداخل الإسرائيلي”. ويقول الصحفي “الإسرائيلي” رفيف دروكور ”إننا نحجب الصورة، ونمتثل للرقابة العسكرية، حتى لا يقال عنا جواسيس”، مضيفاً “أصبحنا نفضل المشاركة في الكذب”.
ما يحدث مع مسلحي نتنياهو من انهيار يضعه في مواجهة صريحة مع فشله الذريع في تحقيق أي هدف من حربه على قطاع غزة غير القتل والتدمير، بما في ذلك التضحية بالأسرى وحياة المجندين الصهاينة، المدركين أن حربهم تفتقر إلى أدنى حدود الأخلاق، ما يشكك في أي أهداف موضوعية يهدف النتن وباقي جوقة المتطرفين لتحقيقها. وخلال أشهر حرب الإبادة ظل العدو يطلب المزيد من المجندين إلى محرقة غزة، وفيما لقي العديد مصارعهم على يد المقاومة، كان البعض يفضل الانتحار، فيما آخرون إما يفرّون أو يدخلون في حالة هيستيرية.