تقرير | علي الدرواني

 

خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، دشّنت القوات المسلحة اليمنية مرحلة جديدة من المواجهة مع الكيان الإسرائيلي عبر سلسلة من العمليات العسكرية النوعية التي استهدفت مواقع حيوية ومنشآت استراتيجية داخل فلسطين المحتلة، إلى جانب استمرار الضغط البحري على حركة الملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي. هذه العمليات تعكس ثباتا للموقف اليمني، واستمرار التصعيد النوعي في مسار المواجهة، وتبقي كيان العدو الإسرائيلي تحت تأثير ومفاعيل معادلات أمنية غير مسبوقة.

طبيعة العمليات العسكرية:

وفي هذا السياق نفذت القوات المسلحة اليمنية عددا من العمليات العسكرية ضد كيان العدو الاسرائيلي، حيث أعلنت مساء أمس عن أربع عمليات استهدفت مبنى هيئة أركان العدو الإسرائيلي، ومطار اللد، ومحطة كهرباء الخضيرة، وميناء أسدود، وذلك بطائرات مسيرة نوع صماد أربعة، ومن ضمن تلك العمليات استهداف سفينة (MSC ABY) -المرتبطة بالعدو الإسرائيلي- بطائرتين مسيرتين وصاروخ مجنح، وصباح اليوم شنت القوات المسلحة اليمنية عملية مزدوجة بصاروخين بالستيين: أحدها فلسطين2 الانشطاري، والثاني ذو الفقار، استهدفا اهدافا حيوية للعدو في يافا المحتلة المساة “تل أبيب”. كما أعلنت مساء اليوم استهداف هدف للعدو الإسرائيلي غرب القدس المحتلة بصاروخ فرط صوتي نوع “فلسطين2″، وكذلك استهداف هدف للعدو في حيفا بطائرة مسيرة.

وأول سبتمبر كانت القوات المسلحة اليمنية قد نفذت عملية نوعية ضد سفينة إسرائيلية شمال البحر الاحمر قبالة ميناء ينبع السعودي، بصاروخ بالستي.

وتأتي هذه العمليات بعد الاغتيال الوحشي لأعضاء الحكومة اليمنية في صنعاء بغارات إسرائيلية خلفت كل أعضاء الحكومة بين شهيد وجريح.

 

استمرار الحظر البحري

أكدت البيانات العسكرية اليمنية أن استهداف السفينة MSC ABY جاء “لانتهاكها قرار حظر الدخول إلى موانئ فلسطين المحتلة”، عبر ضربتين بمسيّرتين وصاروخ مجنح أصاب السفينة بشكل مباشر.

هذا التطور يؤكد تصميم القوات المسلحة اليمنية على فرض حصار بحري فعلي، بما يشمل البحر الأحمر والبحر العربي، ليشكل معادلة ردع استراتيجية ضد الكيان الإسرائيلي وحلفائه.

إن وصول الصاروخ اليمني البالسيتي لاستهداف سفينة صهيونية شمال البحر الاحمر حمل دلالات توقفت عندها المراكز والمواقع المتخصصة بالشؤن البحرية، موقع سيتريد ماريتايم البريطاني المتخصص في الشؤون البحرية أفاد أن الهجوم الصاروخي الذي نفذته القوات المسلحة اليمنية ضد ناقلة نفط مرتبطة بـ”إسرائيل” في شمال البحر الأحمر يكشف عن مدى التهديد الموسع الذي يشكله اليمنيون على حركة الملاحة الإقليمية والدولية.

ونقل الموقع عن مركز المعلومات البحرية المشتركة (JMIC) تذكيره لصناعة النقل البحري بأن اليمنيين يمتلكون القدرة على استهداف السفن التجارية بعمق في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما يمثل تطورًا استراتيجيًا مقلقًا لخطوط الملاحة العالمية المرتبطة بالكيان.

وأكد التقرير أن التهديد اليمني للسفن ذات الروابط المباشرة أو غير المباشرة بـ”إسرائيل” يتم تقييمه حاليًا على أنه بالغ الخطورة، ما يعزز المخاوف من اضطراب طويل الأمد في حركة النقل البحري عبر واحد من أهم الممرات التجارية في العالم.

الأبعاد الاستراتيجية

دخول العمق الإسرائيلي دائرة الاستهداف المباشر من اليمن ليس بالأمر الجديد، إذ إن القوات المسلحة اليمنية سبق وأن قصفت -عشرات المرات بعشرات الصواريخ- أهدافا حساسة للعدو في يافا المحتلة وغيرها، غير أن تصاعد وتيرة الضربات وتنوع وسائلها – من مسيّرات وصواريخ بالستية ومجنحة – تمثل تعزيزًا لهذا المسار التصعيدي، وتوسيعًا في نطاق الأهداف ونوعية الأسلحة المستخدمة، بما يزيد من الضغط النفسي على المغتصبين، ويضاعف كلفة المواجهة على القيادة السياسية والعسكرية في الكيان.

كما تحافظ القوات المسلحة اليمنية على إبقاء البحر الأحمر ساحة مواجهة مفتوحة مع العدو، وهو ما يعكس قدرة صنعاء على تهديد خطوط الملاحة المرتبطة بالكيان الإسرائيلي، ويمنع الملاحة الصهيونية وفقا لقرار الحظر الصادر عن القوات المسلحة اليمنية.

إن تعطيل حركة الملاحة البحرية يوجه رسالة مباشرة للشركات العالمية التي تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية، بضرورة الابتعاد عن إمداد الكيان المجرم بالسلع والسلاح، كما سيكون له التأثير الاقتصادي نتيجة لهذه العمليات، وقد يكون أعمق من الخسائر العسكرية، إذ إنه يضرب ثقة المستثمرين، ويضعف صورة الكيان كـ “ملاذ آمن” في المنطقة، كلما استمرت هذه العمليات.

قلق في الكيان بعد جريمة الاغتيال

كشفت صحيفة هآرتس العبرية أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصرّ على عقد جلسة ما يسمى “المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية” داخل ملجأ محصن وسري، وذلك في خطوة غير معتادة. وأوضحت الصحيفة أن مكتب نتنياهو برر نقل الجلسة إلى هذا المكان المحصن بـ”تصاعد التهديدات القادمة من اليمن”، خصوصًا بعد عملية الاغتيال التي استهدفت مسؤولين في الحكومة اليمنية بصنعاء وما أعقبها من رد عسكري نوعي.

هذه الخطوة – وفق مراقبين – تعكس حجم القلق الذي يعيشه صانع القرار الإسرائيلي، ومدى إدراك القيادة السياسية في “تل أبيب” أن الضربات اليمنية لم تعد مجرد رسائل رمزية، بل تهديدًا مباشرًا يطال رأس هرم الكيان ومؤسساته القيادية.

 

البعد الديني والإنساني

تميز بيان القوات المسلحة ظهر اليوم، بإضفاء البعد الديني والوجداني، المستمد من احتفالات الشعب اليمني والأمة الإسلامية بذكرى المولد النبوي الشريف، مؤكدًا أن: الدفاع عن غزة هو دفاع عن الإسلام والإنسانية جمعاء. وأن ما يقوم به العدو الإسرائيلي بحق مليوني فلسطيني في غزة يمثل “جريمة إبادة جماعية” تستوجب موقفًا إسلاميًا موحدًا. وبناء عليه فالأمة الإسلامية مدعوة للاقتداء بسيرة النبي الأكرم، الذي قادها للعزة والكرامة، في مواجهة العدوان الحالي، فمن” كان ينتمي للإسلام وللنبي الأكرم عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم فلن يقف متفرجا أمام جريمة الإبادة الجماعية، فالانتصار لغزة هو انتصار للدين، انتصار للأمة، انتصار للإنسانية”.

ختاما:

تؤكد العمليات الأخيرة أن المواجهة بين اليمن والكيان الإسرائيلي دخلت مرحلة أكثر حساسية واتساعًا، إذ تستمر الضربات اليمنية بالوصول إلى قلب الكيان، وترسخ فرض حصار بحري فعال في البحرين الأحمر والعربي، ولا تعكس مجرد رد فعل على جريمة الاغتيال في صنعاء، بل تؤسس لمسار جديد يضع الكيان تحت ضغط عسكري واقتصادي ونفسي متواصل، ويهز صورته كقوة قادرة على حماية أمنها الداخلي ومصالحها البحرية.

ومع البعد الديني والإنساني الذي أضفاه البيان اليمني في ذكرى المولد النبوي الشريف، يصبح الصراع مع الاحتلال أكثر شمولًا من كونه عسكريًا فقط، ليتحول إلى معركة قيم وهوية، عنوانها: الدفاع عن الدين، عن الأمة، وعن الإنسانية جمعاء.