الشعب اليمني يراقب وقف إطلاق النار في غزة وأصابعه على الزناد
تقرير | وديع العبسي
لم يتعامل اليمن مع العدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة باعتباره موجة عدوانية اعتيادية في سياق إجرامه المستمر ضد الشعب الفلسطيني، وإنما بكون العدو قد بلغ بصلفه ذروة التوحش، وبتماديه وذروة الاستخفاف بالعرب والمسلمين. فكان الوقوف مع أبناء غزة وهُم يتعرضون للإبادة الجماعية واجباً مقدّساً يفرضه الدين والقيم الإنسانية والنخوة العروبية.
ولمّا كان اليمن يستمد الدافع للإسناد من هذه الثوابت لم يكن بمقدور أساطيل الغزاة أن تُحدِث في موقفه أي تأثير، كما لم يكن من السهل فرض واقع جديد عليه يصرفه عن القيام بدوره الإنساني والأخلاقي، واقع بقوامٍ من افتعال الضجيج، بالحديث أحياناً عن حرية ملاحة، وأحياناً عن تهريب أسلحة، وأحياناً بالعودة إلى الأدوات في المنطقة ودفعها لإشغال جبهة الإسناد اليمنية بفوضى داخلية.
كل تلك المحاولات العبثية بقدر فشلها في توجيه المسار إلى ما يخدم جريمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين وتهيئة ظروف استمرارها، كانت تزيد من قناعة اليمنيين بصوابية موقفهم.
وعلى هذا، لم تربط القوات المساحة تنفيذ عملياتها بمجرد صنع ضجة إعلامية لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار، وإنما بأن يعيش الفلسطينيون الاستقرار والسلام واقعاً ملموساً في كل التفاصيل الحياتية. ولأن اليمن يعي بمكر الصهيوني الذي يعمد في كل جولة عدوانية إلى ادعاء خفض التصعيد، ثم ما يلبث أن يتحرك لتهيئة ظروف العودة إلى إقلاق أمن وسكينة المنطقة واستباحة حياة الفلسطينيين، فإن موقفه جاء واضحاً بالتنبيه والتحذير والتأكيد على أنه ما عاد ممكناً للعدو الاستفراد بالشعب الفلسطيني مهما امتلك من سلاح ومن دعم أمريكي غربي مفتوح.
العدو معنيّ بأن يقوم بتنفيذ ما عليه من التزامات في الاتفاق كي يمنع مبررات معاودة استهدافه وتفاقم أزمته بعد أن احترقت ورقته كمتوحش قادر على إرهاب الآخرين وثنيهم عن التفكير في معارضة رغباته. والوضوح اليمني في التحذير والتنبيه يستقيم مع مبادئه وصدق تحركه المجرد من أي مصالح أو مكاسب إلا ما يصبّ في مصلحة الفلسطينيين. لهذا كان اليمن دائماً ضامناً لتنفيذ الاتفاق وفق ما ترى فصائل المقاومة أنه يخدم الشعب الفلسطيني، كما قاس الجميع ذلك في اتفاق سابق بداية هذا العام، والعدو الصهيوني لا يمكنه أن يذهب بوقاحته إلى حد تجاهل الآخرين أو عدم احترام ما جرى الاتفاق عليه.
السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي قالها للفلسطينيين منذ اليوم الأول للعدوان الهمجي الصهيوني على غزة: “لستم وحدكم”، ورددها ملايين اليمنيين بعده، وهذه المسألة لا يمكن أن تخضع لمساومات ومقايضات أو محاولات لتسويق اتفاقات غالباً ما يتبين أنها مصائد موت جديدة، حيث تهدف إلى تخدير الشعوب العربية والإسلامية بأوهام السلام، ثم تسحق نفسيات هذه الأمة صدمات عدوانية جديدة تستهدف الشعب الفلسطيني والمنطقة وصولاً بالناس إلى حالة من الإحباط واليأس والقنوط.
ووفق مساحة الحضور الذي تشغله القضية الفلسطينية عموماً في الشارع اليمني وموقفه من أعداء الإنسانية أمريكا و”إسرائيل”، وهذا الاستنفار عالي المستوى لوضع حد لهذه المظلومية، والإعلان اليمني الصريح بمراقبة مدى التزام العدو الصهيوني بوقف عدوانه على غزة.
تبدو الإجراءات التي سيتخذها اليمن على العدو قاسية حال زاد في غيّه وأخل بالاتفاق، وهذه مسألة يتفق عليها كل الشارع اليمني المستنفر لما هو أكبر من عمليات الإسناد خلال العامين الماضيين.
عضو المكتب السياسي لأنصار الله الدكتور حزام الأسد حذر في هذا السياق، الكيان الإسرائيلي من هجمات أشد قوة إذا انتهك اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وقال الأسد: إن “شعبنا اليمني يتابع باهتمام نتائج الاتفاق، انطلاقاً من موقفه الثابت في نصرة القضية الفلسطينية ومساندة مظلومية أهلنا في غزة الذين واجهوا العدوان والحصار بصبر وإيمان وثبات أسطوري”.
ولعل تجربة اتفاق وقف إطلاق النار السابق، وتصدُّر اليمن كمراقب على امتثال العدو لبنود الاتفاق، قد أظهرت قبلاً كيف تسبب العدو بتهوره ومعاودته للعدوان على غزة، بعودة العمليات الإسنادية اليمنية بصورة أوسع وأشمل وأكثر إيلاماً، فضلاً عن تعزيز مكانة اليمن كقوة إقليمية. وبالاستناد على هذا يرى المراقبون أن المشهد القادم للعدو سيكون أكثر قتامة بعد تجربة عامين من الاختباء في الملاجئ وحصاد الخسائر الاقتصادية وانهيار كذبة الهيبة العسكرية، وتباعُد المسافة بين الأهداف المعلنة من العدوان على غزة وما تحقق فعلياً.
لا شك بأن معيار الاتفاق مع العدو الصهيوني، والذي يمكن أن يُقاس عليه أي إنجاز على أرض الواقع هو الوقف الشامل للعدوان، ورفع الحصار، وفتح المعابر، والإفراج عن الأسرى، وانسحاب قواته من القطاع، بينما المراوغة أو الالتفاف على هذا المعيار لن يكون في صالحه.
وفي كلمته بمناسبة الذكرى الثانية لعملية “طوفان الأقصى”، أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي ـ يحفظه الله ـ أن اليمن سيراقب عن كثب مدى التزام العدو الإسرائيلي بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسيبقى “في حال انتباه وجاهزية تامة ورصد كامل بدقّة وعناية تجاه تنفيذ الاتفاق لإنهاء العدوان على قطاع غزة وإدخال المساعدات”، وشدد بالقول: “نؤكد للعالم وللعدو الإسرائيلي ولإخوتنا في فلسطين على حضورنا المستمر وجهوزيتنا الدائمة لاستئناف عمليات الإسناد في حال عاد العدو لعدوانه على غزة.”
اعتاد العالم هذه الثقة العالية بالسيد في ما يطرحه لذلك أعدّ نفسه للتعامل مع ما يكشف عنه السيّد أو ينبه إليه بمحمل الجد، خصوصاً وأن مواجهات العامين الماضيين مع القوات اليمنية قد كشفت بأن أمريكا و”إسرائيل” تكابران ظاهرياً في التعاطي مع التنبيهات اليمنية لكنهما تعيشان هموم البحث عن حلول تحفظ لهما ماء الوجه وتتجاوزان بها آثار هذا الثبات والجدية التي يبديها اليمن قيادة وجيشاً وشعباً في الوقفة الإسنادية مع غزة.
وعلى ذلك يرى مراقبون أن تأكيد السيد القائد على مراقبة طريقة تعامل العدو الإسرائيلي مع الاتفاق، يعني بقاء الكيان تحت طائلة القصف وكسر الأنف، فحاله لم يعد كما كان من قبل من الأريحية والحرية في الانفلات والعربدة، فاليمن قد أثبت فاعليته وقدرته لأن يكون ضامناً مؤثراً لتنفيذ أي اتفاقات سلام تعني المنطقة عموماً، وكذلك قدرته على إعادة بناء التفاصيل في مشهد المنطقة بحيث يمكن إنهاء كذبة القوة الإسرائيلية نهائياً وهيمنتها على المنطقة.
ويستند المراقبون في رؤيتهم إلى التفوق اليمني، مقابل العجز الإسرائيلي والأمريكي وحتى الغربي، إلى الفشل الذي شهده ولا يزال يشهده العالم في فك الحصار البحري الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية على الكيان، فمنعت عنه الملاحة في البحرين الأحمر والعربي وحتى المحيط الهندي. وتذكر صحيفة “كالكاليست” العبرية أن “ميناء “إيلات” لا يزال مغلقاً وشركات الشحن ترفض عبور البحر الأحمر باتجاه الميناء”.
الصحيفة كشفت أيضاً بأن “إدارة ميناء “إيلات” تواصلت مع السفارة الأمريكية وطلبت إدراج قضية الحصار في البحر الأحمر ضمن اتفاق شرم الشيخ.”
ومن شواهد المراقبين على الهشاشة التي ظهر بها العدو الإسرائيلي أمام اليمن، ظهر في لجوئه إلى الحصول على ما يريد من مواد نفطية وغذائية عن طريق “التهريب”، في واقع حال يُظهر مستوى المآل المخزي الذي صار إليه العدو مع كثرة حماقاته. لهذا تخْلُص الكثير من التحليلات إلى “أنّ القوات المسلّحة حقّقت مكاسب استراتيجيّة في ترسيخ مكانة اليمن كقوّةٍ مهيمنةٍ في منطقة البحر الأحمر.”
اليمن لن يتوقف عن دعم غزة والقضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمة وإنْ تآمرت عليها المنظومة الصهيونية لصالح الاحتلال، وواقع العدو الصهيوني لا يؤهله للاستمرار في لعب دور الحاكم المهيمن على المنطقة فالعد التنازلي لوجوده قد بدأ، لذلك فإن أي تهور في الحسابات حال التفكير في العودة إلى استهداف الفلسطينيين وإكمال مخطط الإبادة للأطفال والنساء يعني التعجيل من النهاية.
يأتي الحديث وتنبيه اليمن للعدو إلى سوء العاقبة التي يمكن أن يتعرض لها حال استهتاره وذهابه إلى معاودة استهداف الأطفال والنساء في غزة، من الخروقات التي استهل بها المرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق. كما ظهرت واضحة النوايا المبكرة للكيان لنسف كل ما جرى الاتفاق عليه في جملة الاستفزازات التي تعاضد فيها المكر بوجهيه الأمريكي والإسرائيلي، فعمد الكيان في تلك الأثناء إلى التلاعب بوقاحة بموضوع فتح معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر رابطاً الأمر بالتزام حماس بتسليم جثث الأسرى الإسرائيليين في القطاع.
وحماس أعلنت غير مرة بأن هناك من أسرى العدو من دفنتهم غاراته على غزة تحت الأنقاض، وانتشالهم بحاجة للوقت وكذلك للمعدات اللازمة لعمليات البحث وانتشال الجثث، إلا أن النوايا الخبيثة للمجرم نتنياهو ومجموعته كانت تحاول تعقيد الموقف بما يطيل من عمر الأزمة الإنسانية في القطاع.
هذا الخرق العبثي لبنود الاتفاق، لم يكن حالة طارئة، ففي المقلب الآخر كان الأمريكي، الوجه الآخر للشيطنة يعوث إفساداً في ما يفترض أنه اتفاق لوقف عدوان أخزى الإنسانية ومثّل وصمة عار على جبينها. ليكشف من تصريحاته عن نوايا مبيّتة للعودة إلى مربع العدوان السافر مستنداً على خنوع عربي وإسلامي وحتى دولي. وأمريكا كانت دائماً منعدمة الأهليّة للثقة، لهذا لم يكن مستغرباً ظهورها مبكراً بتسويق فرضية أن حماس ستقوم باختراق الاتفاق. فترامب وبلا أي مبرر صرّح بأنه سيسمح لـ”إسرائيل” باستئناف القتال في غزة إذا لم تلتزم حماس ببنود الاتفاق. ووزارة خارجيته عززت هذا الانكشاف للنوايا بمزاعم أنها تلقت ما وصفته بـ“تقارير موثوقة”، وذهبت بالاستخفاف حدوداً بعيدة تجعل من الولايات المتحدة عبارة عن كتلة من الشر المستطير. الوزارة أفادت في بيان بأن حماس تستعد لخرق وشيك للاتفاق ضد “سكان غزة”. وأكدت بأنها ستتخذ “إجراءات مناسبة” لحماية المدنيين وضمان استمرار وقف إطلاق النار، حسب زعمها. هذا الوعيد الأحمق وبهذه الصيغة والفَرَضية العجيبة لا تسعى واشنطن من خلاله فقط لتقديم هذا الكيان المارق كحمامة سلام وإنما لإلغاء وجود أي موقف حر أو تحرك عملي جاد يتعامل مع محاولات العودة لقتل الإنسانية في غزة بحزم.
حماس وإن كانت تدرك أن الأمريكي يبني دائماً على ما يضعه من تصورات تنحاز إلى الكيان الإسرائيلي دون اعتبار لأحد إلا أنها سارعت لفضح هذه المحاولات البائسة واعتبرت أن “هذه الادعاءات الباطلة تتساوق بشكل كامل مع الدعاية الإسرائيلية المضلِّلة، وتوفّر غطاءً لاستمرار العدو الإسرائيلي في جرائمه وعدوانه المنظَّم ضد شعبنا.”
