تقرير | وديع العبسي

في معركة فرض الإرادة، التي يحاول من خلالها الكيان الصهيوني فرض معادلته في الهيمنة على المنطقة وإعادة تقسيمها بالشكل الذي يجعل منه الأقوى، وفي الجهة الأخرى محور المقاومة الذي يبرز فيه اليمن بصورة رادعة للمشاريع الصهيونية، للكيان الموجوع أن يحسب للشعب اليمني وقواته المسلحة بشكل مختلف، فاليمن أثبت منذ مارس 2015، ثم بشكل أكثر وقعا خلال العامين الماضيين، أنه حالة استثنائية. تؤكد ذلك الخصائص الموضوعية التي يتسم بها، سواء على صعيد قناعاته وما هو راسخ لديه من القيم والثوابت، أو على صعيد جهوزيته لاتخاذ قرار المبادرة ووضع الحد الرادع لكل من يفكر في النيل منه.
ليس بالعودة إلى معطيات التاريخ في هذا الجانب يمكن إظهار هذه الخصائص التي تجعل من الحكمة أخذها بعين الاعتبار عند التفكير بإخضاع هذا البلد، إنما يكفي للمراقب، أن يستعرض مواقف اليمنيين اليوم في الدفاع عن السيادة الوطنية ضد العدوان الأمريكي الإسرائيلي، وضد حرب الإبادة الصهيونية في غزة، ثم ما رشح عن ذلك من آثار وتداعيات، ومن تحليلات عبرية لهذه المواقف أكدت أن العمليات اليمنية ضد الكيان من جهة وأمريكا من جهة ثانية كشفت عن فاعلية لم تكن في الحسبان لقوة صاعدة يمكن أن تشكل مصدر إزعاج لمخططاتهم ضد العرب والمسلمين. يؤكد اللواء “الإسرائيلي” في الاحتياط، أمير نوي، أن القوات اليمنية تمثل تهديداً متصاعداً لـ”إسرائيل”، وأن قدراتها التنظيمية والعسكرية باتت تشكل عبئاً أمنياً ومالياً على كيان الاحتلال. الضابط “الإسرائيلي” خلص من مراقبة المواجهة اليمنية لجبهتي أمريكا والكيان إلى أن اليمنيين نجحوا في “تطوير صناعة أسلحة محلية، واعتماد استراتيجيات هجومية مستقلة، والانتقال إلى صدارة الأولويات الأمنية الإسرائيلية كخطر عسكري مباشر”. ويذكر “نوي” أن “القوات اليمنية نجحت في تعطيل الملاحة التجارية عبر فرض حصار فعّال على ميناء “إيلات”، ما أثّر على الاقتصاد الإسرائيلي، وأجبرت “إسرائيل” على إنفاق ملايين الدولارات على أنظمة دفاع لمواجهة صواريخهم البعيدة المدى”.

التفاف شعبي ليس له مثيل

القدرة اليمنية كان يدعمها أيضا إجراءات تهدف إلى ترسيخ أن الموقف اليمني لا يهدف إلى استعراض قوة بقدر الاستفادة من هذه القوة لمنع مؤامرات الاستباحة، وإيقاف استضعاف الفلسطينيين في غزة، وقد كان من أبرز تلك الإجراءات اتخاذ قرار بحظر تصدير أو إعادة تصدير أو نقل أو تحميل أو شراء أو بيع النفط الخام الأمريكي (U.S. Crude Oil) (HS Code 2709.00)، من الموانئ الأمريكية سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، ويشمل ذلك عمليات النقل من سفينة إلى أخرى STS، سواءً بشكل كلي أو جزئي، بما في ذلك عبر أطراف ثالثة. وقد مثّلت هذه الجرأة سابقة لم يعهدها الأعداء، لذلك كثّفوا من محاولات ضرب عناصر القوة التي يستند عليها اليمنيين.
وفي حقيقة الأمر أن عناصر القوة اليمنية هي جملة من الأوراق الاستراتيجية التي يمتلكها اليمن، وتمنحه هذه الاستثنائية، وتنطلق من الالتفاف الشعبي والاتفاق، الذي ليس له مثيل على مستوى العالم، بين كل مستويات البلد من القيادة وحتى الشارع وما بينهما القوات المسلحة. فهناك الإجماع الشعبي والسياسي على دعم خيار المواجهة. ومن الأوراق التي لا يمكن التأثير فيها الإيمان بصدق وعدالة القضية، لذلك لا تكل هذه الحشود المليونية ولا تمل من الخروج الأسبوعي لتؤكد بهتافات الصمود والإباء الاستعداد والجهوزية لمواجهة أي تصعيد للعدو الأمريكي والصهيوني، والجهاد في سبيل الله، والتحدي في مواجهة الغطرسة، واستمرار إسناد غزة والشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، ولذلك مع هذه الاستثنائية يبقى الموقف اليمني ثابتا رغم المحاولات الدنيئة من قبل الأعداء للنيل من الوطن ومقدراته.
وحين يظهر كائن عبري كالمجرم “بنيامين نتنياهو” أو “وزير الحرب” الصهيوني “يسرائيل كاتس”، ليهدد باستهداف اليمن، فإن عبثية مثل هذا التهديد تنبني على تناسي قائله ما سبق ونفذه كيانهم من عدوان لم يتجاوز حدود صهاريج النفط، وخزانات المياه، ومحطات المولدات الكهربائية. وعودته لارتكاب أية حماقة لن يكون لها تجاوز هذه الحدود فهي المساحة التي بمقدوره التحرك فيها، مع ذلك فإنها ستستدعي ردا حارقا تستمر معه حالة اليقظة والقلق التي يعيشها الكيان وغاصبوه.. تقول القناة 12 العبرية: “اليمنيون هم القوة الوحيدة القادرة على الصمود ومواصلة الحرب”.

وجع الضربات لن يمحوه الهذيان

الكائن العبري بتصريحه يحاول تصوير أنه أكبر من معركة أمريكا مع اليمن، والتي انتهت إلى انسحاب ترامبي مُخزٍ.. تؤكد صحيفة “إي كاثيميريني” اليونانية أن اليمنيين تسببوا بمشكلات تشغيلية جسيمة للبحرية الأمريكية، يمكن وصفها بالهزيمة لأكبر قوة بحرية. وتقول الصحيفة “اليمنيون أحدثوا أشد التغيرات الدراماتيكية في عصرنا الحالي فيما يتعلق بتطور الحروب”. الصحيفة اليونانية أكدت أيضا أن “مسؤولين في البنتاغون أدركوا مدى ضعف حاملات الطائرات أو مقاتلات F-35 في المواجهة مع اليمن”. ويؤكد مراقبون أن محاولة نتنياهو تجاوز قراءة الانسحاب الأمريكي بواقعية لا تنم عن شجاعة، وإنما عن غباء سياسي .
ومع ما يؤكد الحديث عن أي عدوان صهيوني من طبيعة عدوانية لهذا الكيان، فإنه يُظهِر في الوقت ذاته عدم الاتزان، بحيث تتم له قراءة الوضع الذي يعيشه، فالكيان لم ينته بعد من رفع أنقاض الدمار الكبير الذي خلّفته الضربات الإيرانية، ولا يزال يعيش آثار الانهيار الاقتصادي بسبب الضربات اليمنية والإيرانية والحصار الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية على ملاحته الجوية والبحرية، بحيث صار كائنا معزولا يتناقص عدد مؤيديه بشكل لافت، لذلك يصير أي حديث عن قدرة في رد الضربات التي يتلقاها نصرة للشعب الفلسطيني من باب الهذيان.
كما لا ينكر العدو -رغم محاولاته- أن الإسناد اليمني لغزة كان له الأثر البالغ في صمود المقاومة الفلسطينية، كما كان لهذا الإسناد حسب مراقبين، التأسيس  لمرحلة قادمة لا تقبل الخضوع لسلطة الحكام المتخاذلين، ولا لقوى الاستكبار العالمي.
تؤكد القوات المسلحة اليمنية أن المعركة مع العدو الصهيوني مستمرة. صحيفة  “جيروزاليم بوست “العبرية” نشرت تقريرًا يكشف استمرار الهجمات من اليمن على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويفيد التقرير بأن اليمنيين، رغم الغارات “الإسرائيلية” المتكررة على مواقعهم في اليمن، تمكنوا من الحفاظ على قدراتهم الصاروخية، ما مكنهم من مواصلة إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة باتجاه الأراضي المحتلة، وهو ما أكدته صفارات الإنذار التي دوّت في مناطق النقب جنوب فلسطين المحتلة السبت، حيث زعم العدو الإسرائيلي محاولته اعتراض صاروخ أطلق من اليمن.