الكيان الإسرائيلي.. حين يحارب على طريقة العصابات
تقرير
زادت غارات العدو الإسرائيلي الثلاثاء على مطار صنعاء الدولي ومحطات توليد الكهرباء ومصنع أسمنت عمران، وفي اليوم السابق غاراته على ميناء الحديدة ومصنع أسمنت باجل، زاد كل ذلك من قناعة العالم بأن الكيان الصهيوني قد استنفد كل ما يمكنه القيام به، وإنما يعيش اليوم حالة انهيار معنوي كبيرة، جرّاء طول أمد هذه المعركة العبثية التي فتحها في غزة، ففتحت عليه أبواب النار من اليمن، حيث لم يكن في حسبانه، وها هو يقترب من إنهاء العام الثاني، بينما الهاوية تلتهم ما بقي فيه من حياة.
بعد قيامه بشن غارات عبثية لا يُقر بها العُرف العسكري، ولا تجيزها قوانين ومعايير الحرب وفق مفهوم المواجهات المتعارف عليه بين الجيوش، ذهب العدو الإسرائيلي يُعدّد للداخل المحتل إنجازاته في استهداف المنشآت المدنية، لكنه عجز عن إعطاء صورة لإنجاز عسكري من شأنه أن يمنع عنه عمليات القوات المسلحة.
وما إن انتهت الجوقة الصهيونية بما فيها كاهن الإجرام ترامب من جريمة استهداف المرافق الخدمية حتى بدأت بتلمُّس آثار هذه الغزوة العقيمة في الوسط الإسرائيلي، لتأتيها النتيجة صاعقة، إذ ظل الخطاب الإعلامي وتصريحات الساسة وتحليلات الخبراء تراوح في ذات المكان.. مربع الخطر.
ظهر الأمر وكأن الجميع على قناعة مثيرة للقلق بأن جيشهم الصهيوني قد تورط بتحرشه وكر الوحوش بهذه الجرأة، وفي تعيين لا طائل منه لأعيان خاصة بحياة المواطنين كأهداف لغاراته، ثم وبصياغات مختلفة توافق الجميع في الخلاصة، وهي أن كيانهم وإن شن غارات “انتقامية” على اليمن ردا على الصاروخ اليمني الذي زلزل كيانهم حين دمر أسطورة الدفاعات الجوية لمطار اللد “بنغوريون”، إلا أنه لم يحقق هدفا استراتيجيا لجهة حماية مغتصابته ومستوطنيه في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فلا أثر لتفصيل عسكري في ما تم قصفه، لتظل القناعة بذات القوة بأن اليمن بات يمثل خطرا لا مفر منه للوجود الصهيوني ولعربدته بحريّة في المنطقة. وبالتالي فإن هذه الغارات، قد ترتد وبالا على غطرسة الكيان.
قبل وعقب الهجوم على اليمن، استنفر كل الكيان بكل المستويات، عسكريا وسياسيا وصحيّا .. الكل أخذ وضعية الاستعداد والترقب للرد، ما يشير إلى النجاح الاستراتيجي الذي حققه اليمن وبامتياز في إثبات قدرته وحضوره، فدفع الآخرين لأن يحسبوا حساب موقفه، فاليمن عسكريا وصل إلى عمق الكيان، وأجبره على تجرع ويلات الإهانة النفسية نتيجة العجز عن حماية المستوطنين، وويلات الخسائر المادية التي أدخلته في نفق مظلم بات فيه بلا أدنى ثقة لدى المؤسسات المالية الدولية كما الداخل. واليمن وصل عسكريا أيضا إلى ضرب أمريكا، الدولة التي جاءت من وراء المحيطات بأساطيلها لحمايته، فاستطاع اليمن رسم صورته كقيادة وكمجتمع لا يخشون في الله لومة لائم، ولا يرضون الضيم، لذلك فإن الكيان وداعميه على قناعة بأنه صاحب كلمة وموقف، وحتما لن يسكت.
كانت إيران حتى وقت قريب، الدولة الوحيدة التي يحسب لها الإسرائيليون والأمريكان حسابا لردة فعلها تجاه أي تهور يقومون به ضدها، اليوم يظهر اليمن، الدولة الفقيرة البعيدة ليمثل واجهة رعب أكثر وقعا وألما.
فاليمن قد سبق بفكرِه وإيمانه، في تحديد العدو الصهيوني ككائن دخيل غاصب ومحتل وسبب كل مشاكل المنطقة ولابد من بتره، ثم جاء الفعل ليؤكد أن الفكر ينطلق من مبادئ إيمانية، وليست ناتجة عن تأثر بأحداث، لذلك صار مقلقا لكل المشاريع العدوانية التي تسعى لسلب شعوب المنطقة من كل حقوقهم، وإجبارها على الإذعان لنهجها ومخططاتها.
وتكشف هذه الحالة التي وجد الكيان نفسه فيها عقب عمليته الهمجية، عن هزيمة أخرى ترتبط بهشاشة ثقته بقدرته في إحداث التغيير لصالحه على صعيد معادلة المواجهة وإيقاف مصدر الخطر، وهي حقيقة ليست وليدة هذا الهجوم الأحمق، وإنما سبق لتجارب آخرين أن كشفت عنها، وأمريكا كانت دائما مرتكزا حاضرا في هذه التجارب خلال عقد من الزمن، من عدوان التحالف السعودي الأمريكي، إلى العدوان الأمريكي البريطاني، ثم العدوان الأمريكي مفردا، لتأتي بعد هذه التجارب جزيئات صهيونية يقودها المخبول نتنياهو بتصورات واهمة لتنفيذ فعل عدائي متهور، ومع أنه قد شن على اليمن غارات سابقة، على ميناء الحديدة، إلا أن قراءته لها كانت كما يبدو سريعة، فلم يتأمل إلى ما أسفرت عنه، فبعد ذاك الهجوم الذي انتشى فيه نتنياهو بحرائق خزنات الوقود، ظهر اليمن بإمكانات عسكرية أعظم، لا يمكن إدراكها إلا وقد صارت في صحن كيانه.
المعادلة بسيطة، فـ”إسرائيل” ليست أكثر من كيان هش، مقسّم وغير متجانس، وبالنظر إلى حجمه وقدراته مقارنة بأمريكا، نجده لا شيء، وأمريكا يرى فيها العالم امبراطورية القوة بلا منازع. مع ذلك فإنها قد وجدت نفسها اليوم بعد عشرة أعوام من التخطيط والمؤامرة والعدوان، في قلق حقيقي على تلاشي هيبة هذه الامبراطورية، ومرغمة على طلب وقف إطلاق النار وبالرؤية اليمنية.
لا يستطيع نتنياهو ووزير دفاعه ورئيس هيئة أركانه أن يسوقوا مثالا واحدا لنجاح أمريكي في اليمن بعد (1300) غارة، مع ذلك، مثّل رهانهم عليها أبرز مظاهر الغباء السياسي والعسكري، كما مثّل تحركهم بشكل مباشر ضربا من التهور، فقدراتهم أضعف من أن تكون بمستوى أمريكا، وهذا ما لمسه ويلمسه العالم في هذه النوعية الفارغة من الهجمات.
باتت النخبة الصهيونية المُنظّرة لهذا التواجد غير الشرعي للكيان، والراسمة لخطط التوسع وإقلاق حال المنطقة، على قناعة بأن كيانهم، على يد نتنياهو وائتلافه المتطرف، يمر بأسوأ مراحله الوجودية، القدرات العسكرية والدعم الأمريكي والغربي لم تُمكن كيانهم من تحقيق النصر في غزة، ولم ترد عنه مخاطر ما يأتيه من السماء من أبابيل اليمن.
ويؤكد متطرفو الكيان ان حكومتهم اليمينية دائما ما كانت بلا رؤية، سواء في غزة أو مع دول محور المقاومة مجتمعة، والآن مع اليمن، وعليه يتبين أن مثل هذه العمليات لا يمكنها أن تغيّر معادلة أو تغسل عار الهزيمة.
يعيش الكيان فعليا حالة من الهزيمة، ويؤكد أزمته في اليمن بالعودة إلى قصف مرافق سبق وأن قُصفت أكثر من مرة، ما جعلها خارج الخدمة بنسبة 80%، ثم، وفي لجوءٍ يائس، يحاول تصوير الأمر كإنجاز عسكري وبصياغات مهزوزة ومثيرة للسخرية، فتارة يحاول ربط مولّد الكهرباء بالعمليات العسكرية اليمنية، وتارة يتحدث عن ارتباط هذه المرافق بعمليات تهريب أسلحة من إيران، ثم يدعم هذا المذهب بتصوير أن مثل هذه الهجمات كفيلة بكسر إرادة اليمنيين وفك الرباط ببن الشعب والقيادة، وهو نفس المنطق الذي قامت عليه التحالفات ضد اليمن منذ عام 2015، وكانت عاقبتها جميعا الفشل.