يحيى الشامي

التحقيق الاستقصائي التالي يكشف محاولات مشبوهة من قبل كيان العدو للتحايل على القرار الشرعي اليمني القاضي بحظر ملاحته في البحر الاحمر بمساعدة دول عربية وإسلامية تناقض مواقفها الرسمية وتقف في صف الجريمة منقلبة على التزاماتها القومية والدينية .

الحظر اليمني: قرار أخلاقي لوقف الإبادة

قبل عامين تقريباً من الآن، أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن فرض حظر بحري على السفن المتجهة إلى موانئ العدو الصهيوني في البحر الأحمر، كإجراء ضغط لوقف جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها الكيان بحق المدنيين في غزة. ورغم أن القرار أصاب ملاحة العدو في مقتل، وأدى إلى إغلاق كلي لميناء أم الرشراش وارتفاع الأسعار داخل الكيان المحتل، إلا أن التحقيق يكشف أن العدو، بمساعدة دول عربية وإسلامية، يحاول التحايل على هذا الحظر بطرق ملتوية تنتهك ليس قرار الحظر اليمني المنطلق من مبادئ إنسانية وأخلاقية، بل وتنتهك روح القانون الدولي، وتقوض الجهود الإنسانية لوقف الإبادة.

الخطة: نقل بضائع العدو عبر موانئ عربية كـ”غطاء”

كشفت تقارير عبرية سابقة عن خطة ممنهجة لتجاوز الحظر البحري اليمني، تعتمد على استخدام “موانئ وسيطة” في دول عربية وإسلامية، تسجل وجهات نهائية في سندات الشحن، بينما الوجهة الحقيقية هي موانئ فلسطين المحتلة.

بحسب تقرير نشرته صحيفة “ماكو” العبرية في 10 ديسمبر 2023، فإن الخطة تعتمد على تفريغ الحاويات المتجهة إلى موانئ العدو في موانئ عربية مثل بورسعيد في مصر، ودمياط، وموانئ أخرى في تركيا واليونان وقبرص. ومن هذه الموانئ، تُنقل البضائع إلى سفن أصغر تكمل الرحلة إلى موانئ العدو، مع استخدام “سندات شحن وهمية” لإخفاء الوجهة الحقيقية، بالإضافة لسلسلة إجراءات متبعة ضمن حركة الشحن البحرية، من بينها إغلاق جهاز التعارف، وتضليل الوجهة النهائية، والتعمية على جهة المصدر… الخ.

يصف أحد خبراء الشحن للصحيفة العبرية الآلية: “سفن تغادر من الصين مع بضائع مخصصة لموانئ العدو ستحصل على سند شحن وهمي” يشير إلى أن الحاويات مُورَّدة إلى ميناء بيرايوس في اليونان. بعد الرسو في اليونان، تُحمَّل الحاويات على سفينة جديدة وأصغر تتجه إلى موانئ العدو.”

التحايل على القانون: سندات شحن “سياسية” تنتهك قرارات اليمن

يتميز هذا النموذج بتجنب ذكر الوجهة النهائية “العدو” في أي من بيانات السفينة أو الشحنة قد تصل إلى أيدي القوات المسلحة اليمنية، وهو ما يمنع استهداف السفن وفقاً لقرار الحظر، وبحسب خبير الجمارك والشحن الدولي علئاد غور-آريا، فإن “سند الشحن السياسي هو وثيقة نقل تستخدم في التجارة بين دولتين لا توجد بينهما علاقات”، في إشارة إلى محاولة إخفاء حقيقة أن البضائع متجهة إلى العدو.

هذا التحايل يشكل انتهاكاً صريحاً للقرار اليمني الذي يفرض منعا لكل السفن المتجهة الى كيان العدو أو المملوكة له، والأخطر في هذا السياق أنه يكشف عن تواطؤ غير معلن من قبل بعض الدول العربية والإسلامية التي تسمح بتحويل موانئها إلى منصات لوجستية لدعم العدو في خرق الحظر.

شركاء غير معلنين في التحايل

المثير للاستغراب أن بعض الدول العربية -التي تعلن دعمها للقضية الفلسطينية- تلعب دوراً محورياً في هذه الشبكة التحايلية. فبحسب تقرير صحيفة “جلوبس” الاقتصادية العبرية الصادر في 30 مايو 2024، فإن “شركة شحن متوسطة الحجم مقرها هونغ كونغ تسمى ‘W Ships’ تقدم لشاحني العدو استيراداً أسبوعياً للشحنات من الصين إلى العدو عبر البحر الأحمر”، مع “تنفيذ عملية ‘تحميل’ في مصر في طريقها إلى العدو.”

ويوضح التقرير أن العملية تشمل “نقل البضائع إلى دولة ثالثة (في هذه الحالة مصر)، وتعديل سندات الشحن، وتحميل البضائع على سفينة أخرى، ثم نقلها إلى موانئ العدو.” وهذا يعني أن موانئ مصر، وتحديداً بورسعيد، تلعب دوراً محورياً في هذا التحايل، كما سيثبت التحقيق في الجزء الثاني.

يوضح التقرير العبري أن هذه العملية تسمح للسفن بالاستمرار في الإبحار عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وتجنب الحاجة للإبحار حول القارة الأفريقية، فبدلاً من إطالة رحلة الشحن من الشرق إلى العدو بشهر إلى شهر ونصف، سيزداد الوقت فقط بأربعة إلى خمسة أيام، وكيل جمارك في وزارة النقل في كيان العدو يرى أن الخطوة -رغم كلفتها- أخف بكثير من أعباء النقل البحري عبر الالتفاف حول أفريقيا.

مع ذلك، فإن هذا الحل يرتبط بتكاليف إضافية تشمل تأجير سفن إضافية وتوظيف عمال جدد. وبحسب تقرير “ماكو”، فإن هذا سيؤدي إلى زيادة تكاليف نقل البضائع إلى العدو، وقد ينعكس على ارتفاع الأسعار النهائية للمستهلك داخل الكيان.

يضع التحقيق علامات استفهام كبرى حول الأدوار المشبوهة التي أشار إليها الإعلام العبري، وكشف عنها مع بدء الحظر اايمني، وعن حقيقة الشعارات والتصريحات التي ترفعها تلك الدول في معرض دفاعها عن القضية الفلسطينية، بينما تتحول إلى شريك في جرائم الحرب التي يرتكبها العدو، عبر تمكينه من تجاوز الحظر البحري اليمني الذي يهدف إلى وقف هذه الجرائم. وهل يمكن لهذه الدول أن تبرر لملايين المسلمين حول العالم مساعدتها للكيان الصهيوني في تجاوز الحظر البحري الذي يهدف إلى وقف جرائم الحرب؟

قرارات شركات شحن كبرى

أوضحت شركة “ميرسك” العملاقة -التي تسيطر على 14.3% من نقل الحاويات في العالم- أنها لا تنوي إرسال سفن إلى البحر الأحمر قريبًا. ووصف الرئيس التنفيذي لشركة ميرسك، فينسنت كلارك محاولة العودة إلى البحر الأحمر بأنها “عملية معقدة ومكلفة وصعبة لإعادة توجيه خطوط الشحن إلى البحر الأحمر، وهو الموقف الأخير المعلن من الشركة حتى اليوم، كما قررت الشركة الصينية العملاقة “كوسكو”، الرابعة في الحجم عالميًا، وقف الإبحار إلى موانئ فلسطين المحتلة على خلفية قرار الحظر اليمني.

التحقيق الاستقصائي -التالي في هذه السلسلة- سيركز على تفكيك الشبكات اللوجستية التي تستخدمها الشركات المتعاونة مع العدو، وتحديد الأسماء والكيانات التي تشارك في هذه العملية غير الشرعية، وكشف الوجه القبيح لبعض الدول التي تدعي دعمها للقضية الفلسطينية، بينما تعمل -في الخفاء- على تمكين العدو من مواصلة جرائمه.