تقرير |

ها قد رحل قائد الإسناد بعدما أثخن الجراح في العدو الصهيوني، وأذاقه ويلات العذاب والخزي، وأثبت -من جديد- أن الإيمان الصادق والعزيمة الجهادية وصدق الولاء لله ولأهل بيته قادر على قهر الطغيان الأمريكي الإسرائيلي، فها هي البوارج والفرقطات وحاملات الطائرات الأمريكية ما تزال جريحة، وها هي شواهد ما فعله الشهيد الغماري ماثلة في “إيلات” ومطارها، ويافا ومنشآتها، وعسقلان، والنقب، وحيفا، ومناطق غيرها.
فأما الشهيد فقد أكمل المهمة بنجاح، ورحل إلى جوار الله شامخا عزيزا أبيا، وهذا مقام العظماء: مع الأنبياء والصديقين والشهداء. فيما العدو الأمريكي الإسرائيلي ما يزال يتخبط في دائرة الفشل، غير قادر على ترميم قوته وسد الثغرات القاتلة التي أحدثها الشهيد ورفاقه في منظومة ردعهم، ومهما حاولوا فلن يستطيعوا إلى التعافي سبيلا، فقد ترك الشهيد كوكبة من العظماء والقادة القادرين على خوض معركة تحرير فلسطين بكل ثقة واقتدار.
من يجب عليه أن يحزن وأن يلطم خده هو الكيان الإسرائيلي، فالجريمة التي ارتكبها بحق شهيدنا الأسمى لا يمكن أن تغتفر، فالشهيد الغماري هو خريج مدرسة الجهاد والاستشهاد، وغيره ملايين الخريجين في نفس المدرسة، وهم تواقون بلهفة وشوق للالتحام مع أرجس الخلق: اليهود الصهاينة من عاثوا في الأرض الفساد، وقد حان موعد اجتثاثهم وتخليص الأرض من رجسهم وفسادهم.

على العهد ماضون

لقد ودّع اليمنيون قائد جيشهم وكلهم عهد ووعد بالسير على خطاه، لن ترهبهم إمكانيات الأعداء ولا مؤامراتهم، فهم أهل الحرب ورجالها، ولن يحُدَّ من عزيمتهم عظم التضحيات، فهي وقود الانتصار وسّلم النصر. لقد أخذوا العزم على السير قدما في خط الله ونهجه، جهادا في سبيله، لن يهدأ لهم بال وهم يرون الله يُعصى في أرضه، ولن يقر لهم قرار والصهاينة الغاصبون يعربدون في قدس المسرى وأرض الرباط والجهاد.
ميدان الوفاء (السبعين) امتلأ عزة وفخراً في مشهد مراسم التشييع، لتترسم لوحات من العنفوان والتحدي والصمود؛ الصفوف متراصة كالبنيان، والصدور تهتف بالعهد على مواصلة الطريق الذي خطّه الشهيد بأصابعه وعبقرية تخطيطه. المشهد ينطق بلغة لا تعرف الانهزام: إنا على العهد ماضون. فالغماري (مهندس المعركة وحجر الزاوية في بناء الجيش اليمني الحديث) ترك خلفه كتائب من المجاهدين، يحملون بصمته العسكرية والتكتيكية، ليظلَّ الموقف الوطني سيفًا مسلولًا في وجه الطغيان الصهيوني الأمريكي.


ومن على منبر الوداع، وفي حضرة الشهيد انطلقت كلمات مفتي الديار اليمنية، العلامة شمس الدين شرف الدين، تؤكّد أن استشهاد رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري مع ثلة من المجاهدين لن يثنينا عن مواصلة دربنا في نصرة المظلومين والمستضعفين من عباد الله، والجهاد في سبيله، حتى نلقى الله وهو راضٍ عنا.
مفتي الديار يفند أن ما أصابنا ليس إنجازا للعدو بل سُنَّة من سنن الله في الصراع مع الكفر والطاغوت، ففي إطار الصراع  يأتي قول الحق جل وعلا “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون”. وأضاف شرف الدين: “وبالتالي فالمصاب الجلل والعظيم لا ينبغي أن يثنينا عن مواصلة دربنا في نصرة المظلومين والمستضعفين”.
وللخونة فقد أوضح المفتي حكم تعاونهم مع العدو الصهيوني الغاصب بأنه ارتداد، وذلك انطلاقا من  قول الله تبارك وتعالى “إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدْبَٰرِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ۙ ٱلشَّيْطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ، ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ ٱلْأَمْرِ ۖ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ”، مؤكدًا أنه ليس في شرط المرتد أن يكون كافرًا بالله واليوم الآخر والرسول عليه الصلاة والسلام، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وإنما يكفي تعامله مع الأعداء ضد أبناء الإسلام والمسلمين، وهو دليل على ردته عن الإسلام.
أما من يعلم بمن يتعامل مع الأعداء، فالواجب الديني يقضي بالتبليغ عنه، وإخبار السلطات المعنية بهذا الشأن، لأن التستر والسكوت عن المنكر هو منكر بحد ذاته، ويُعد مشاركة، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم “من أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ”.

 

ركن الملحمة الإيمانية

أما القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء العلامة محمد مفتاح فأكد أننا في هذا الموقف المهيب نودّع علماً بارزاً من أعلام الأمة، وشخصية متميزة ومتفردة من رموز وعظماء هذه الأمة، الشهيد المجاهد محمد عبدالكريم الغماري، الذي نشأ على مبدأ الجهاد، وتميز بسمو النفس والإخلاص لله سبحانه وتعالى، ولقيادته. الشهيد أنموذج للمجاهد المخلص الصادق المتفاني في أداء واجبه، كتب الله له الانتصارات العظيمة، وكان في مقدمة الصفوف، وفي مقدمة الردع، يتحمل مسؤولية عظيمة وجسيمة وكبيرة في مواكبة الميدان وفي بناء المؤسسة العسكرية، التي وصلت بحمدالله جهوده مع زملائه ورفاقه إلى أرقى وأعلى مستوى من العطاء فيها، ولم يترك المؤسسة العسكرية إلا وهي في أوج عطائها وتألقها، وهي بحمد الله قد وصلت إلى الطموح الذي يطمح إليه كل حر في هذا الشعب وفي هذه الأمة.
يكفي الشهيد شرفاً ومكانة عند الله أنه من قادة هذه الملحمة الكبرى التي سطرتها الأمة في وجه أعتى طواغيت الدنيا، ويكفيه شرفاً ومكانة أن كل أشرار العالم اشتركوا في مؤامرة قتله واستشهاده، وتحالف الشر العالمي هو الذي استهدف هذا القائد العظيم صاحب المكانة الرفيعة والمهابة في جهاده وعطائه. حسبما أكد العلامة محمد مفتاح.
إن هذا اليوم العظيم في تاريخ الشعب اليمني بقدر ما كشف للشعب عظمة الشهيد الأسمى الذي ظل طيلة الفترات الماضية يصنع الانتصارات بعيدا عن عدسات الإعلام، ها هي كل القنوات ترسم مشهد الوداع للشهيد، وميلاد فجر العزّة، وضبط بوصلة الأمة نحو المعركة المقدسة: تحرير فلسطين من الهيمنة الصهيوأمريكية. إنه يوم يقربنا خطوة نحو النصر الموعود والتمكين.