مظلومية وانتصار

المسيرةُ القرآنية: شمسٌ لا تقبل الزيف.. وبحرٌ عذبٌ فرات

مقالات||أمة الملك قوارة

في خضمِ وطأة الانحلال، بزغت فينا المسيرة القرآنية لتؤكّـد صدق بنائها للإنسان، وعلى شواطئ الانسلاخ؛ جذّفت فينا المسيرة بمشروعها القرآني لتخلق فينا وعيًا من عمق فكرنا إلى عمق نهوضنا، وصحوة شمُلت كُـلّ الأحداث والوقائع، مسيرة خاطبت عقولَنا لتنيرها بشرائعِ ربها لا بشرائع العقول! وخاطبت أنفسنا لتكبح جِماح هواها في واقعٍ امتلأَ بالهوى وفتوى النّفوس، خاطبت أرواحنا لترسوا بها إلى ضفاف الرقي والطهارة والعفاف في واقع يعُجُّ بكُلِّ مَـا هو وضيع ويفسد كُـلّ مَـا هو طاهر، مسيرة تناولت الواقع بالشّرحِ والتفصيلِ، وحدّدت معايير من يمثلها وأثبتت ذلك بالمضامين العملية لا بالعناوينِ الشكلية، فأصبحنا أُولئك الذين يمثلون الإسلام وهم أقربَ النّاس إليه، وأُولئك الذي يحاربون باسمِ الإسلام من منبع قيمه ومبادئه وتعاليمه لا من منبع رُؤاهم؛ ولا لشيء إنما ليرووا ظمأ الناس إلى تلك القيم، ويجسدوا مسؤولية تهاونوا عن حملها فيما مضى! فحدث على إثر ذلك ما نعيشه اليوم من تربع لسننِ الضياع والظلم والانحراف..

إن المسيرة القرآنية ومكنونها ورؤيتها وأهدافها تحتاج ممن يمثلها أن يكون قوياً لا ضعيفاً، يقف مستدركاً للمظاهر الزائفة والمناصب الزائلة والشهرة الفانية، ثم يخضع للتنازلات الأخلاقية والقيمية، فماذا تعني المسيرة: إنها السير بهدي القرآن والاقتدَاء بأولياء الله المتقين والمضي على نهجهم، وتمثل البصيرة والصبر وهو أضأل تعريف يمكن فهمه عنها، وَإذَا ما أمكن الإنسان فهم ذلك وتمثله، فسيصبح قوة ضاربة بجناحين، جناح يضرب به أعداء الله وجناح آخر يأوي إليه عباد الله، وشخصية متزنة بفكرها وثقافتها وأهدافها، وغالبًا ما تكون هذه الشخصية قابلة للعشق ممن لم يصلوا إلى مستوى الفهم للهدى الذي تمثلته والنور الذي اتبعته، -حين تهفوا الفطرة إلى حقيقتها- فالمظاهر لا تغري بقدر ما يكون مستوى الجذب للمكنون الطاهر والمضمون السليم، وهنا عبرة لمن يتخذ المظاهر وسيلة، وإنما تطرقنا لهذا الحديث لكثرة المعجبين بالمظاهر المقتبسين منها قبس الاقتدَاء! وكثرة المقلدون للهوى ولما لذلك من تأثير فادح وتعدد الأخطاء والتباس الأمور، ولكثرة الناس الذين يتبعون تيار المسيرة بقلوب ميتة دون علم أَو معرفة أَو اطلاع أَو بصيرة، ثم يبدؤون بإطلاق شعاراتها دونما وعي ويعطون لأنفسهم حق إصدار الأحكام والخوض فيما ليس لهم به حق، ولو عرفوا المسيرة القرآنية حق المعرفة لما وقعوا في ذلك الخطأ..

إن المسيرة القرآنية أشبه ما تكون بالبحر العذب الفرات الذي لا يقبل الميتة وسيدفع بها خارجه، وكذا هي المسيرة القرآنية أحداثها غربال ووقائعها تمييز للناس، ومن أحب المسيرة القرآنية فليلزم نفسه بتمثلها ومعرفتها وليأت لها من بابها؛ فهي مسيرة حياة كاملة ومشروع نجاة شامل للدنيا والآخرة، كما أنها ليست مُجَـرّد عناوين ترتبط بوقائع وأحداث ليتم تناول تمثيلها لحظياً! بل أكبر من ذلك وأشمل، وقليل من الانتباه والاطلاع والمعرفة يمهد الطريق إليها، ثم أن الغوص في محيطها وتمثل محورها ونورها القرآن والاقتدَاء بأوليائها قولاً وعملاً شرف عظيم والشرف الآخر هو امتلاك الإنسان الحق بعد هذا أن يصف نفسه بأنه ينتمي إلى المسيرة القرآنية، فلا يجوز لمن لا يعرف عنها شيئاً أن يصف نفسه بأنه لها ينتمي والأجدر بل وحقها عليه هو معرفتها حق المعرفة وحق التمثيل، إنها نقية لا تقبل التهجين ولا يستطيع هجين الثقافة والأخلاق أن يرسوا على شاطئها، وَإذَا ما اتهمها قاصرو الوعي بأنها مختلفة أَو مغايرة فَــإنَّا نقول لهم: اذهبوا إلى القرآن فإذا أدركتموه فأنتم ضمن المسيرة القرآنية لكن بالفهم الصحيح لمعانيه! فهي لم تأتِ سوى من القرآن ومستودعها الوافر من القيم النابعة من آباره كفيلة بأن تجعل من ينتمي إليها قوياً في فكره وَقيمه ورؤيته وثقافته وأخلاقه وأهدافه، ثابتًا في موقفه وقراره، طاهرًا في شكله ومظهره وتعامله؛ فهي تجعل شخصها بحجم أُمَّـة وأمتُنا كريمة ونهايةُ طريقها هو الله.